المسألة الخامسة : في أحكام هذه الأقسام :
الحكم الأول :
اتفقوا على أن
قوله :( إنما الصدقات ) دخل فيه الزكاة الواجبة ؛ لأن الزكاة الواجبة مسماة بالصدقة ، قال تعالى :(
خذ من أموالهم صدقة ) [ التوبة : 103 ] . وقال عليه الصلاة والسلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012841 : " ليس فيما دون خمسة ذود ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " . واختلفوا في أنه هل تدخل فيها الصدقة المندوبة ؟ فمنهم من قال : تدخل فيها ؛ لأن لفظ الصدقة مختص بالمندوبة ، فإذا أدخلنا فيه الزكاة الواجبة فلا أقل من أن تدخل فيه أيضا الصدقة المندوبة ، وتكون الفائدة أن مصارف جميع الصدقات ليس إلا هؤلاء ، والأقرب : أن المراد من لفظ الصدقات ههنا هو الزكوات الواجبة ، ويدل عليه وجوه :
الأول : أنه تعالى أثبت هذه الصدقات بلام التمليك للأصناف الثمانية ، والصدقة المملوكة لهم ليست إلا الزكاة الواجبة .
الثاني : أن ظاهر هذه الآية يدل على أن مصرف الصدقات ليس إلا لهؤلاء الثمانية ، وهذا الحصر إنما يصح لو حملنا هذه الصدقات على الزكوات الواجبة ، أما لو أدخلنا فيها المندوبات لم يصح هذا الحصر ؛ لأن
الصدقات المندوبة يجوز صرفها إلى بناء المساجد ، والرباطات ، والمدارس ، وتكفين الموتى وتجهيزهم وسائر الوجوه .
الثالث : أن قوله تعالى :(
إنما الصدقات للفقراء ) إنما يحسن ذكره لو كان قد سبق بيان تلك الصدقات وأقسامها حتى ينصرف هذا الكلام إليه ، والصدقات التي سبق بيانها وتفصيلها هي الصدقات الواجبة ، فوجب انصراف هذا الكلام إليها .
الحكم الثاني
دلت هذه الآية على أن هذه
الزكاة يتولى أخذها وتفرقتها الإمام ، ومن يلي من قبله ، والدليل عليه أن الله تعالى جعل للعاملين سهما فيها ، وذلك يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل ،
والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات ، فدل هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات ، وتأكد هذا النص بقوله تعالى :(
خذ من أموالهم صدقة ) . فالقول بأن المالك يجوز له إخراج زكاة الأموال الباطنة بنفسه إنما يعرف بدليل آخر ، ويمكن أن يتمسك في إثباته بقوله تعالى :(
وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) [ الذاريات : 19 ] . فإذا كان ذلك الحق حقا للسائل والمحروم وجب أن يجوز له دفعه إليه ابتداء .
الحكم الثالث :
نص القرآن يدل على أن العامل له في مال الزكاة حق ، واختلفوا في أن الإمام هل له فيه حق ؟ فمنهم من أثبته ، قال : لأن العامل إنما قدر على ذلك العمل بتقويته وإمارته ، فالعامل في الحقيقة هو الإمام ، ومنهم من منعه ، وقال : الآية دلت على حصر مال الزكاة في هؤلاء الثمانية ، والإمام خارج عنهم فلا يصرف هذا المال إليه .
الحكم الرابع :
اختلفوا في هذا
العامل إذا كان غنيا هل يأخذ النصيب ؟ قال
الحسن : لا يأخذ إلا مع الحاجة ، وقال
[ ص: 92 ] الباقون : يأخذ وإن كان غنيا ؛ لأنه يأخذه أجرة على العمل . ثم اختلفوا ، فقال بعضهم : للعامل في مال الزكاة الثمن ؛ لأن الله تعالى قسم الزكاة على ثمانية أصناف ، فوجب أن يحصل له الثمن ، كما أن من أوصى بمال لثمانية أنفس حصل لكل واحد منهم ثمنه ، وقال الأكثرون : بل حقه بقدر مؤنته عند الجباية والجمع .
الحكم الخامس :
اتفقوا على أن مال الزكاة لا يخرج عن هذه الثمانية ، واختلفوا أنه هل يجوز وضعه في بعض الأصناف فقط ؟ وقد سبق دلائل هاتين المسألتين ، إلا أنا إذا قلنا : يجوز وضعه في بعض الأصناف فقط فهذا إنما يجوز في غير العامل ، وأما وضعه بالكلية في العامل فذلك غير جائز بالاتفاق .
الحكم السادس :
أن العامل والمؤلفة مفقودان في هذا الزمان ، ففيه الأصناف الستة ، والأولى صرف الزكاة إلى هذه الأصناف الستة على ما يقوله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ؛ لأنه الغاية في الاحتياط ، أما إن لم يفعل ذلك أجزأه على ما بيناه .
الحكم السابع :
عموم قوله :(
للفقراء والمساكين ) يتناول الكافر والمسلم ، إلا أن
الأخبار دلت على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى الفقراء والمساكين وغيرهم إلا إذا كانوا مسلمين .
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الأصناف الثمانية وشرح أحوالهم ، قال :(
فريضة من الله ) قال
الزجاج : " فريضة " منصوب على التوكيد ؛ لأن قوله :(
إنما الصدقات ) لهؤلاء جار مجرى قوله : فرض الله الصدقات لهؤلاء فريضة ، وذلك كالزجر عن مخالفة هذا الظاهر ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" إن الله تعالى لم يرض بقسمة الزكاة أن يتولاها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل حتى تولى قسمتها بنفسه " ، والمقصود من هذه التأكيدات تحريم إخراج الزكاة عن هذه الأصناف .
ثم قال :(
والله عليم ) أي : أعلم بمقادير المصالح ، " حكيم " لا يشرع إلا ما هو الأصوب الأصلح ، والله أعلم .