(
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم )
قوله تعالى :(
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) .
اعلم أنه تعالى لما بالغ في وصف المنافقين بالأعمال الفاسدة والأفعال الخبيثة ، ثم ذكر عقيبه أنواع الوعيد في حقهم في الدنيا والآخرة ، ذكر بعده في هذه الآية كون المؤمنين موصوفين بصفات الخير وأعمال البر ، على ضد صفات المنافقين ، ثم ذكر بعده في هذه الآية أنواع ما أعد الله لهم من الثواب الدائم والنعيم المقيم ، فأما
صفات المؤمنين فهي قوله :(
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) .
فإن قيل : ما الفائدة في أنه تعالى قال في صفة المنافقين :(
المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) ، وههنا قال في صفة المؤمنين :(
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ، فلم ذكر في المنافقين لفظ " من " وفي المؤمنين لفظ " أولياء " ؟ .
قلنا : قوله في صفة المنافقين :(
بعضهم من بعض ) يدل على أن نفاق الأتباع كالأمر المتفرع على نفاق الأسلاف ، والأمر في نفسه كذلك ؛ لأن نفاق الأتباع وكفرهم حصل بسبب التقليد لأولئك الأكابر ، وبسبب مقتضى الهوى والطبيعة والعادة ، أما الموافقة الحاصلة بين المؤمنين فإنما حصلت لا بسبب الميل
[ ص: 105 ] والعادة ، بل بسبب المشاركة في الاستدلال والتوفيق والهداية ؛ فلهذا السبب قال تعالى في المنافقين :(
بعضهم من بعض ) ، وقال في المؤمنين :(
بعضهم أولياء بعض ) .
واعلم أن الولاية ضد العداوة ، وقد ذكرنا فيما تقدم أن الأصل في لفظ الولاية القرب ، ويتأكد ذلك بأن ضد الولاية هو العداوة ، ولفظة العداوة مأخوذة من عدا الشيء إذا جاوز عنه .
واعلم أنه تعالى لما وصف المؤمنين بكون بعضهم أولياء بعض ، ذكر بعده ما يجري مجرى التفسير والشرح له ، فقال :(
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ) . فذكر هذه
الأمور الخمسة التي بها يتميز المؤمن من المنافق ، فالمنافق على ما وصفه الله تعالى في الآية المتقدمة يأمر بالمنكر ، وينهى عن المعروف ، والمؤمن بالضد منه . والمنافق لا يقوم إلى الصلاة إلا مع نوع من الكسل ، والمؤمن بالضد منه . والمنافق يبخل بالزكاة وسائر الواجبات كما قال :(
ويقبضون أيديهم ) [ التوبة : 67 ] . والمؤمنون يؤتون الزكاة ، والمنافق إذا أمره الله ورسوله بالمسارعة إلى الجهاد فإنه يتخلف بنفسه ويثبط غيره كما وصفه الله بذلك ، والمؤمنون بالضد منهم . وهو المراد في هذه الآية بقوله :(
ويطيعون الله ورسوله ) . ثم لما ذكر صفات المؤمنين بين أنه
كما وعد المنافقين نار جهنم فقد وعد المؤمنين الرحمة المستقبلة ، وهي ثواب الآخرة ؛ فلذلك قال :(
أولئك سيرحمهم الله ) . وذكر حرف السين في قوله :(
سيرحمهم الله ) للتوكيد والمبالغة ، كما تؤكد الوعيد في قولك : سأنتقم منك يوما ، يعني أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك ، ونظيره :(
سيجعل لهم الرحمن ودا ) [ مريم : 96 ] -(
ولسوف يعطيك ربك فترضى ) [ الضحى : 5 ] -(
سوف يؤتيهم أجورهم ) [ النساء : 152 ] .
ثم قال :(
إن الله عزيز حكيم ) وذلك يوجب المبالغة في الترغيب والترهيب ؛ لأن العزيز هو من لا يمنع من مراده في عباده من رحمة أو عقوبة ، والحكيم هو المدبر أمر عباده على ما يقتضيه العدل والصواب .