(
يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ) .
قوله تعالى :(
ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ) .
واعلم أنا ذكرنا أنه تعالى لما وصف المنافقين بالصفات الخبيثة وتوعدهم بأنواع العقاب ، وكانت عادة الله تعالى في هذا الكتاب الكريم جارية بذكر الوعد مع الوعيد ، لا جرم ذكر عقيبه وصف المؤمنين بالصفات الشريفة الطاهرة الطيبة ، ووعدهم بالثواب الرفيع والدرجات العالية ، ثم عاد مرة أخرى إلى شرح أحوال الكفار والمنافقين في هذه الآية ، فقال :(
ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) وفي الآية سؤال ، وهو أن الآية تدل على وجوب
مجاهدة المنافقين ، وذلك غير جائز ؛ فإن المنافق هو الذي يستر كفره وينكره بلسانه ، ومتى كان الأمر كذلك لم يجز محاربته ومجاهدته .
واعلم أن الناس ذكروا أقوالا بسبب هذا الإشكال .
فالقول الأول : أنه
الجهاد مع الكفار وتغليظ القول مع المنافقين ، وهو قول
الضحاك . وهذا بعيد ؛ لأن ظاهر قوله :(
جاهد الكفار والمنافقين ) يقتضي الأمر بجهادهما معا ، وكذا ظاهر قوله :(
واغلظ عليهم ) راجع إلى الفريقين .
القول الثاني : أنه تعالى لما بين للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بالظاهر ، قال عليه السلام :
نحن نحكم بالظاهر ، والقوم كانوا يظهرون الإسلام وينكرون الكفر ، فكانت المحاربة معهم غير جائزة .
والقول الثالث وهو الصحيح : أن الجهاد عبارة عن بذل الجهد ، وليس في اللفظ ما يدل على أن ذلك الجهاد بالسيف أو باللسان أو بطريق آخر ، فنقول : إن الآية تدل على وجوب الجهاد مع الفريقين ، فأما كيفية
[ ص: 108 ] تلك المجاهدة فلفظ الآية لا يدل عليها ، بل إنما يعرف من دليل آخر .
وإذا ثبت هذا فنقول : دلت الدلائل المنفصلة على أن المجاهدة مع الكفار يجب أن تكون بالسيف ، ومع المنافقين بإظهار الحجة تارة ، وبترك الرفق ثانيا ، وبالانتهار ثالثا . قال
عبد الله في قوله :(
جاهد الكفار والمنافقين ) قال : تارة باليد ، وتارة باللسان ، فمن لم يستطع فليكشر في وجهه ، فمن لم يستطع فبالقلب . وحمل
الحسن جهاد المنافقين على إقامة الحدود عليهم إذا تعاطوا أسبابها . قال القاضي : وهذا ليس بشيء ؛ لأن إقامة الحد واجبة على من ليس بمنافق ، فلا يكون لهذا تعلق بالنفاق .
ثم قال : وإنما قال
الحسن ذلك لأحد أمرين ؛ إما لأن كل فاسق منافق ، وإما لأجل أن الغالب ممن يقام عليه الحد في زمن الرسول عليه السلام كانوا منافقين .