(
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ) .
[ ص: 120 ] قوله تعالى :(
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ) .
واعلم أنه تعالى لما بين مخازي المنافقين وسوء طريقتهم بين بعدما عرف به الرسول أن الصلاح في أن لا يستصحبهم في غزواته ؛ لأن خروجهم معه يوجب أنواعا من الفساد . فقال :(
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ) أي : من المنافقين :(
فقل لن تخرجوا معي أبدا ) . قوله :(
فإن رجعك الله ) يريد إن ردك الله إلى
المدينة ، ومعنى الرجع : مصير الشيء إلى المكان الذي كان فيه ، يقال : رجعته رجعا كقولك رددته ردا . وقوله :(
إلى طائفة منهم ) إنما خصص ؛ لأن جميع من أقام
بالمدينة ما كانوا منافقين ، بل كان بعضهم مخلصين معذورين . وقوله :(
فاستأذنوك للخروج ) أي : للغزو معك(
فقل لن تخرجوا معي أبدا ) إلى غزوة ، وهذا يجري مجرى
الذم واللعن لهم ، ومجرى إظهار نفاقهم وفضائحهم ؛ وذلك لأن ترغيب المسلمين في الجهاد أمر معلوم بالضرورة من دين
محمد عليه السلام ، ثم إن هؤلاء إذا منعوا من الخروج إلى الغزو بعد إقدامهم على الاستئذان ، كان ذلك تصريحا بكونهم خارجين عن الإسلام موصوفين بالمكر والخداع ؛ لأنه عليه السلام إنما منعهم من الخروج حذرا من مكرهم وكيدهم وخداعهم ، فصار هذا المعنى من هذا الوجه جاريا مجرى اللعن والطرد .
ونظيره قوله تعالى :(
سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ) [ الفتح : 15 ] . إلى قوله :(
قل لن تتبعونا ) [ الفتح : 15 ] . ثم إنه تعالى علل ذلك المنع بقوله :(
إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ) والمراد منه :
القعود عن غزوة تبوك ، يعني أن الحاجة في المرة الأولى إلى موافقتكم كانت أشد ، وبعد ذلك زالت تلك الحاجة ، فلما تخلفتم عند مسيس الحاجة إلى حضوركم ، فعند ذلك لا نقبلكم ، ولا نلتفت إليكم ، وفي اللفظ بحث ذكره صاحب الكشاف ، وهو أن قوله :(
مرة ) في(
أول مرة ) وضعت موضع المرات ، ثم أضيف لفظ الأول إليها ، وهو دال على واحدة من المرات ، فكان الأولى أن يقال : أولى مرة .
وأجاب عنه بأن أكثر اللغتين أن يقال : هند أكبر النساء ، ولا يقال : هند كبرى النساء .
ثم قال تعالى :(
فاقعدوا مع الخالفين ) ذكروا في تفسير الخالف أقوالا : الأول : قال
الأخفش وأبو عبيدة : الخالفون جمع ، واحدهم خالف ، وهو من يخلف الرجل في قومه ، ومعناه مع الخالفين من الرجال الذين يخلفون في البيت ، فلا يبرحون ، والثاني : أن الخالفين مفسر بالمخالفين . قال
الفراء : يقال : عبد خالف وصاحب خالف إذا كان مخالفا . وقال
الأخفش : فلان خالفه أهل بيته إذا كان مخالفا لهم . وقال
الليث : هذا الرجل خالفة ، أي : مخالف كثير الخلاف ، وقوم خالفون ، فإذا جمعت قلت : الخالفون .
والقول الثالث : الخالف هو الفاسد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : يقال : خلف عن كل خير يخلف خلوفا إذا فسد ، وخلف اللبن وخلف إذا فسد .
وإذا عرفت هذه الوجوه الثلاثة ، فلا شك أن اللفظ يصلح حمله على كل واحد منها ؛ لأن أولئك المنافقين كانوا موصوفين بجميع هذه الصفات .
واعلم أن هذه الآية تدل على أن
الرجل إذا ظهر له من بعض متعلقيه مكر وخداع وكيد ، ورآه مشددا فيه مبالغا في تقرير موجباته ، فإنه يجب عليه أن يقطع العلقة بينه وبينه ، وأن يحترز من مصاحبته .