ثم قال تعالى :(
لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) والمعنى : أن بناء ذلك البنيان صار سببا لحصول الريبة في قلوبهم ، فجعل نفس ذلك البنيان ريبة لكونه سببا للريبة . وفي كونه سببا للريبة وجوه :
الأول : أن
المنافقين عظم فرحهم ببناء مسجد الضرار ، فلما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتخريبه ثقل ذلك عليهم وازداد بغضهم له وازداد ارتيابهم في نبوته .
الثاني : أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لما أمر بتخريب ذلك المسجد ظنوا أنه إنما أمر بتخريبه لأجل الحسد ، فارتفع أمانهم عنه وعظم خوفهم منه في كل الأوقات ، وصاروا مرتابين في أنه هل يتركهم على ما هم فيه أو يأمر بقتلهم ونهب أموالهم ؟ .
الثالث : أنهم اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في بناء ذلك المسجد ، فلما أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - بتخريبه بقوا شاكين مرتابين في أنه لأي سبب أمر بتخريبه ؟ .
الرابع : بقوا شاكين مرتابين في أن الله تعالى هل يغفر تلك المعصية ؟ أعني سعيهم في بناء ذلك المسجد ، والصحيح هو الوجه الأول .
ثم قال :(
إلا أن تقطع قلوبهم ) وفيه مباحث :
البحث الأول : قرأ
ابن عامر وحفص عن
عاصم وحمزة ( أن تقطع ) بفتح التاء والطاء مشددة بمعنى تتقطع ، فحذفت إحدى التاءين ، والباقون بضم التاء وتشديد الطاء على ما لم يسم فاعله ، وعن
ابن كثير ( تقطع ) بفتح الطاء وتسكين القاف ( قلوبهم ) بالنصب أي تفعل أنت بقلوبهم هذا القطع ، وقوله :(
تقطع قلوبهم ) أي : تجعل قلوبهم قطعا ، وتفرق أجزاء إما بالسيف وإما بالحزن والبكاء ، فحينئذ تزول تلك الريبة ، والمقصود أن هذه الريبة باقية في قلوبهم أبدا ويموتون على هذا النفاق . وقيل : معناه إلا أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم . وقيل حتى تنشق قلوبهم غما وحسرة ، وقرأ
الحسن ( إلى أن ) وفي قراءة
عبد الله ( ولو قطعت قلوبهم ) وعن
طلحة ( ولو قطعت قلوبهم ) على خطاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو كل مخاطب .
ثم قال :(
والله عليم حكيم ) والمعنى : عليم بأحوالهم ، حكيم في الأحكام التي يحكم بها عليهم .