(
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )
قوله تعالى :(
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )
واعلم أنه تعالى لما حكم بقبول توبة هؤلاء الثلاثة ، ذكر ما يكون كالزاجر عن فعل ما مضى ، وهو
التخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد فقال :(
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ) في مخالفة أمر الرسول(
وكونوا مع الصادقين ) يعني مع الرسول وأصحابه في الغزوات ، ولا تكونوا متخلفين عنها وجالسين مع المنافقين في البيوت ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين ، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين في كل وقت ، وذلك يمنع من إطباق الكل على الباطل ، ومتى امتنع إطباق الكل على الباطل ، وجب إذا أطبقوا على شيء أن يكونوا محقين . فهذا يدل على أن
إجماع الأمة حجة .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال :
المراد بقوله :( وكونوا مع الصادقين ) أي كونوا على طريقة الصادقين ، كما أن الرجل إذا قال لولده : كن مع الصالحين ، لا يفيد إلا ذلك ؟ سلمنا ذلك ، لكن نقول : إن هذا الأمر كان موجودا في زمان الرسول فقط ، فكان هذا أمرا بالكون مع الرسول ، فلا يدل على وجود صادق في سائر الأزمنة ، سلمنا ذلك ، لكن لم لا يجوز أن يكون الصادق هو المعصوم الذي يمتنع خلو زمان التكليف عنه كما تقوله
الشيعة ؟
والجواب عن الأول : أن قوله :(
وكونوا مع الصادقين ) أمر بموافقة الصادقين ، ونهي عن مفارقتهم ، وذلك مشروط بوجود الصادقين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فدلت هذه الآية على وجود الصادقين . وقوله : إنه محمول على أن يكونوا على طريقة الصادقين . فنقول : إنه عدول عن الظاهر من غير دليل . قوله : هذا الأمر مختص بزمان الرسول - عليه الصلاة والسلام - .
قلنا : هذا باطل لوجوه :
الأول : أنه ثبت بالتواتر الظاهر من دين
محمد - عليه الصلاة والسلام - أن التكاليف المذكورة في القرآن متوجهة على المكلفين إلى قيام القيامة ، فكان الأمر في هذا التكليف كذلك .
والثاني : أن الصيغة تتناول الأوقات كلها بدليل صحة الاستثناء .
والثالث : لما لم يكن الوقت المعين مذكورا في لفظ الآية لم يكن حمل الآية على البعض أولى من حمله على الباقي ، فإما أن لا يحمل على شيء من الأوقات فيفضي إلى التعطيل وهو باطل ، أو على الكل وهو المطلوب .
والرابع : وهو أن قوله :(
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ) أمر لهم بالتقوى ، وهذا الأمر إنما يتناول من يصح منه أن لا يكون متقيا ، وإنما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ ، فكانت الآية دالة على أن من كان جائز الخطأ وجب كونه مقتديا بمن
[ ص: 176 ] كان واجب العصمة ، وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين ، فهذا يدل على أنه واجب على جائز الخطأ كونه مع المعصوم عن الخطأ حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعا لجائز الخطأ عن الخطأ ، وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان ، فوجب حصوله في كل الأزمان . قوله : لم لا يجوز أن يكون المراد هو كون المؤمن مع المعصوم الموجود في كل زمان ؟
قلنا : نحن نعترف بأنه لا بد من معصوم في كل زمان ، إلا أنا نقول : ذلك المعصوم هو مجموع الأمة ، وأنتم تقولون : ذلك المعصوم واحد منهم ، فنقول : هذا الثاني باطل ؛ لأنه تعالى أوجب على كل واحد من المؤمنين أن يكون مع الصادقين ، وإنما يمكنه ذلك لو كان عالما بأن ذلك الصادق من هو لا الجاهل بأنه من هو ، فلو كان مأمورا بالكون معه كان ذلك تكليف ما لا يطاق ، وأنه لا يجوز ، لكنا لا نعلم إنسانا معينا موصوفا بوصف العصمة ، والعلم بأنا لا نعلم هذا الإنسان حاصل بالضرورة ، فثبت أن قوله :(
وكونوا مع الصادقين ) ليس أمرا بالكون مع شخص معين ، ولما بطل هذا بقي أن المراد منه الكون مع مجموع الأمة ، وذلك يدل على أن قول مجموع الأمة حق وصواب ولا معنى لقولنا : الإجماع حجة إلا ذلك .