(
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )
[ ص: 34 ]
قوله تعالى : (
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال المنكرين والجاحدين في الآية المتقدمة ، ذكر في هذه الآية
أحوال المؤمنين المحقين ، واعلم أنه تعالى ذكر صفاتهم أولا ، ثم ذكر ما لهم من الأحوال السنية والدرجات الرفيعة ثانيا . أما أحوالهم وصفاتهم فهي قوله : (
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وفي تفسيره وجوه :
الوجه الأول : أن النفس الإنسانية لها قوتان :
القوة النظرية ، وكمالها في معرفة الأشياء ، ورئيس المعارف وسلطانها معرفة الله .
والقوة العملية ، وكمالها في فعل الخيرات والطاعات ، ورئيس الأعمال الصالحة وسلطانها خدمة الله . فقوله : (
إن الذين آمنوا ) إشارة إلى كمال القوة النظرية بمعرفة الله تعالى وقوله : (
وعملوا الصالحات ) إشارة إلى كمال القوة العملية بخدمة الله تعالى ، ولما كانت القوة النظرية مقدمة على القوة العملية بالشرف والرتبة ، لا جرم وجب تقديمها في الذكر .
الوجه الثاني في تفسير هذه الآية : قال
القفال : (
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : صدقوا بقلوبهم ، ثم حققوا التصديق بالعمل الصالح الذي جاءت به الأنبياء والكتب من عند الله تعالى .
الوجه الثالث : (
الذين آمنوا ) أي شغلوا قلوبهم وأرواحهم بتحصيل المعرفة (
وعملوا الصالحات ) أي شغلوا جوارحهم بالخدمة ، فعينهم مشغولة بالاعتبار كما قال : (
فاعتبروا ياأولي الأبصار ) [ الحشر : 2 ] وأذنهم مشغولة بسماع كلام الله تعالى كما قال : (
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ) [ المائدة : 83 ] ولسانهم مشغول بذكر الله كما قال تعالى : (
ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ) [ الأحزاب : 41 ] وجوارحهم مشغولة بنور طاعة الله كما قال : (
ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ) [ النمل : 25 ] .