(
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين قوله تعالى : (
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين [ ص: 67 ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن هذا نوع آخر من شرح
فضائح أولئك الكفار ، فالضمير في قوله (
ويوم نحشرهم ) عائد إلى المذكور السابق ، وذلك هو قوله : (
والذين كسبوا السيئات ) [ يونس : 27 ] فلما وصف الله هؤلاء الذين يحشرهم بالشرك والكفر دل على أن المراد من قوله : (
والذين كسبوا السيئات ) الكفار ، وحاصل الكلام : أنه تعالى يحشر العابد والمعبود ، ثم إن المعبود يتبرأ من العابد ، ويتبين له أنه ما فعل ذلك بعلمه وإرادته ، والمقصود منه أن القوم كانوا يقولون : (
هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) [ يونس : 180 ] فبين الله تعالى أنهم لا يشفعون لهؤلاء الكفار ، بل يتبرءون منهم ، وذلك يدل على
نهاية الخزي والنكال في حق هؤلاء الكفار ، ونظيره آيات منها قوله تعالى : (
إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ) [ البقرة : 166 ] ومنها قوله تعالى : (
ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن ) [ سبأ : 41 ] .
واعلم أن هذا الكلام يشير على سبيل الرمز إلى دقيقة عقلية ، وهي أن
ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن لذاته ، والممكن لذاته محتاج بحسب ماهيته ، والشيء الواحد يمتنع أن يكون قابلا وفاعلا معا ، فما سوى الواحد الأحد الحق لا تأثير له في الإيجاد والتكوين ، فالممكن المحدث لا يليق به أن يكون معبودا لغيره ، بل المعبود الحق ليس إلا الموجد الحق ، وذلك ليس إلا الموجود الحق الذي هو واجب الوجود لذاته ، فبراءة المعبود من العابدين يحتمل أن يكون المراد منه ما ذكرناه ، والله أعلم بمراده .
المسألة الثانية : " الحشر " الجمع من كل جانب إلى موقف واحد ، و(
جميعا ) نصب على الحال ، أي : نحشر الكل حال اجتماعهم . و (
مكانكم ) منصوب بإضمار الزموا ، والتقدير : الزموا مكانكم و " أنتم " تأكيد للضمير ، (
وشركاؤكم ) عطف عليه . واعلم أن قوله : (
مكانكم ) كلمة مختصة بالتهديد والوعيد ، والمراد أنه تعالى يقول للعابدين والمعبودين : مكانكم ، أي : الزموا مكانكم حتى تسألوا ، ونظيره قوله تعالى : (
احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون ) [ الصافات : 22 ]
أما قوله : (
فزيلنا بينهم ) ففيه بحثان :
البحث الأول : أن هذه الكلمة جاءت على لفظ المضي بعد قوله : (
ثم نقول ) وهو منتظر ، والسبب فيه أن الذي حكم الله فيه بأنه سيكون صار كالكائن الراهن الآن ، ونظيره قوله تعالى : (
ونادى أصحاب الجنة ) [ الأعراف : 44 ] .
البحث الثاني : زيلنا فرقنا وميزنا . قال
الفراء : قوله : (
فزيلنا ) ليس من أزلت ، إنما هو من زلت إذا فرقت . تقول العرب : زلت الضأن من المعز فلم تزل ، أي : ميزتها فلم تتميز ، ثم قال
الواحدي : فالزيل والتزييل والمزايلة : التمييز والتفريق . قال
الواحدي : وقرئ " فزايلنا بينهم " وهو مثل " فزيلنا " وحكى
الواحدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة أنه قال في هذه الآية : هو من زال يزول وأزلته أنا ، ثم حكى عن
الأزهري أنه قال : هذا غلط ، لأنه لم يميز بين زال يزول ، وبين زال يزيل ، وبينهما بون بعيد ، والقول ما قاله
الفراء . ثم قال المفسرون : " فزيلنا " أي :
فرقنا بين المشركين وبين شركائهم من الآلهة والأصنام ، وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا .