(
ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون )
قوله تعالى (
ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون )
اعلم أنه تعالى لما بين حال
محمد - صلى الله عليه وسلم - مع قومه ، بين أن حال كل الأنبياء مع أقوامهم كذلك .
وفي
[ ص: 86 ] الآية مسائل :
المسألة الأولى : هذه الآية تدل على أن كل جماعة ممن تقدم قد بعث الله إليهم رسولا والله تعالى ما أهمل أمة من الأمم قط ، ويتأكد هذا بقوله تعالى : (
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) [ فاطر : 24 ] .
فإن قيل : كيف يصح هذا مع ما يعلمه من أحوال الفترة ومع قوله سبحانه : (
لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ) [ يس : 6 ] .
قلنا : الدليل الذي ذكرناه لا يوجب أن يكون الرسول حاضرا مع القوم ، لأن تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسولا إليهم ، كما لا يمنع تقدم رسولنا من كونه مبعوثا إلينا إلى آخر الأبد . وتحمل الفترة على ضعف دعوة الأنبياء ووقوع موجبات التخليط فيها .
المسألة الثانية : في الكلام إضمار والتقدير : فإذا جاء رسولهم وبلغ فكذبه قوم وصدقه آخرون قضى بينهم أي حكم وفصل .
المسألة الثالثة : المراد من الآية أحد أمرين : إما بيان أن
الرسول إذا بعث إلى كل أمة فإنه بالتبليغ وإقامة الحجة يزيح كل علة فلا يبقى لهم عذر في مخالفته أو تكذيبه ، فيدل ذلك على أن ما يجري عليهم من العذاب في الآخرة يكون عدلا ولا يكون ظلما ; لأنهم من قبل أنفسهم وقعوا في ذلك العقاب ، أو يكون المراد أن القوم إذا اجتمعوا في الآخرة جمع الله بينهم وبين رسولهم في وقت المحاسبة ، وبان الفصل بين المطيع والعاصي ليشهد عليهم بما شاهد منهم ، وليقع منهم الاعتراف بأنه بلغ رسالات ربه فيكون ذلك من جملة ما يؤكد الله به الزجر في الدنيا كالمساءلة ، وإنطاق الجوارح ، والشهادة عليهم بأعمالهم والموازين وغيرها ، وتمام التقرير على هذا الوجه .
الثاني : أنه تعالى ذكر في الآية الأولى أن الله شهيد عليهم ، فكأنه تعالى يقول : أنا شهيد عليهم وعلى أعمالهم يوم القيامة ، ومع ذلك فإني أحضر في موقف القيامة مع كل قوم رسولهم ، حتى يشهد عليهم بتلك الأعمال .
والمراد منه المبالغة في إظهار العدل .
واعلم أن دليل القول الأول هو قوله تعالى : (
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] وقوله : (
رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ النساء : 165 ] وقوله : (
ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ) [ طه : 134 ] ؛ ودليل القول الثاني قوله تعالى : (
وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) إلى قوله : (
ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ البقرة : 143 ] وقوله : (
وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) [ الفرقان : 30 ] وقوله تعالى : (
وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) فالتكرير لأجل التأكيد والمبالغة في نفي الظلم .