[ ص: 113 ] (
ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين )
قوله تعالى ( ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين )
اعلم أن المراد : ثم بعثنا من بعد
نوح رسلا ولم يسمهم ، وكان منهم
هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب صلوات الله عليهم أجمعين ( بالبينات ) وهي المعجزات القاهرة ، فأخبر تعالى عنهم أنهم جروا على منهاج
قوم نوح في التكذيب ، ولم يزجرهم ما بلغهم من إهلاك الله تعالى المكذبين من
قوم نوح عن ذلك ; فلهذا قال : (
فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) وليس المراد عين ما كذبوا به ؛ لأن ذلك لم يحصل في زمانه بل المراد بمثل ما كذبوا به من البينات ؛ لأن البينات الظاهرة على الأنبياء عليهم السلام أجمع كأنها واحدة .
ثم قال تعالى : (
كذلك نطبع على قلوب المعتدين ) واحتج أصحابنا على أن الله تعالى قد يمنع المكلف عن الإيمان بهذه الآية ، وتقريره ظاهر .
قال القاضي : الطبع غير مانع من الإيمان بدليل قوله تعالى : (
بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) [ النساء : 155 ] ولو كان هذا الطبع مانعا لما صح هذا الاستثناء ؟
والجواب : أن الكلام في هذه المسألة قد سبق على الاستقصاء في تفسير قوله تعالى : (
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) [ البقرة : 7 ] فلا فائدة في الإعادة .