(
فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين )
قوله تعالى (
فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين )
واعلم أنه تعالى بين فيما تقدم ما كان من
موسى - عليه السلام - من المعجزات العظيمة وما ظهر من تلقف العصا لكل ما أحضروه من آلات السحر ، ثم إنه تعالى بين أنهم مع مشاهدة المعجزات العظيمة ما آمن به منهم إلا ذرية من قومه ، وإنما ذكر تعالى ذلك تسلية
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان يغتم بسبب إعراض القوم عنه
[ ص: 116 ] واستمرارهم على الكفر ، فبين أن له في هذا الباب بسائر الأنبياء أسوة ; لأن
الذي ظهر من موسى - عليه السلام - كان في الإعجاز في مرأى العين أعظم ، ومع ذلك فما آمن به منهم إلا ذرية .
واختلفوا في المراد بالذرية على وجوه :
الأول : أن الذرية ههنا معناها تقليل العدد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لفظ الذرية يعبر به عن القوم على وجه التحقير والتصغير ، ولا سبيل إلى حمله على التقدير على وجه الإهانة في هذا الموضع ، فوجب حمله على التصغير بمعنى قلة العدد .
الثاني : قال بعضهم : المراد أولاد من دعاهم ; لأن الآباء استمروا على الكفر ; إما لأن قلوب الأولاد ألين أو دواعيهم على الثبات على الكفر أخف .
الثالث : أن الذرية قوم كان آباؤهم من
قوم فرعون وأمهاتهم من
بني إسرائيل .
الرابع : الذرية من
آل فرعون آسية امرأة فرعون وخازنه وامرأة خازنه وماشطتها .
وأما الضمير في قوله : (
من قومه ) فقد اختلفوا أن المراد من
قوم موسى أو من
قوم فرعون ; لأن ذكرهما جميعا قد تقدم والأظهر أنه عائد إلى
موسى ; لأنه أقرب المذكورين ، ولأنه نقل أن الذين آمنوا به كانوا من
بني إسرائيل .
أما قوله : (
على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ) ففيه أبحاث :
البحث الأول : أن أولئك
الذين آمنوا بموسى كانوا خائفين من فرعون جدا ; لأنه كان شديد البطش ، وكان قد أظهر العداوة مع
موسى ، فإذا علم ميل القوم إلى
موسى كان يبالغ في إيذائهم ، فلهذا السبب كانوا خائفين منه .
البحث الثاني : إنما قال : (
وملئهم ) مع أن
فرعون واحد لوجوه :
الأول : أنه قد يعبر عن الواحد بلفظ الجمع ، والمراد التعظيم قال الله تعالى : (
إنا نحن نزلنا الذكر ) [ الحجر : 9 ]
الثاني : أن المراد
بفرعون آل فرعون .
الثالث : أن هذا من باب حذف المضاف كأنه أريد
بفرعون آل فرعون .
ثم قال : (
أن يفتنهم ) أي يصرفهم عن دينهم بتسليط أنواع البلاء عليهم .
ثم قال : (
وإن فرعون لعال في الأرض ) أي لغالب فيها قاهر (
وإنه لمن المسرفين ) قيل : المراد أنه
كثير القتل كثير التعذيب لمن يخالفه في أمر من الأمور ، والغرض منه بيان السبب في كون أولئك المؤمنين خائفين ، وقيل : إنما كان مسرفا لأنه كان من أخس العبيد ، فادعى الإلهية .