المسألة الثالثة : اختلفوا في أن المسئول منه في قوله : (
فاسأل الذين يقرءون الكتاب ) من هم ؟ فقال المحققون : هم الذين آمنوا من أهل الكتاب
nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام ،
وعبد الله بن صوريا ،
nindex.php?page=showalam&ids=155وتميم الداري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار ؛ لأنهم هم الذين يوثق بخبرهم ، ومنهم من قال : الكل ؛ سواء كانوا من المسلمين أو من الكفار ؛ لأنهم إذا بلغوا عدد التواتر ثم قرءوا آية من التوراة والإنجيل ، وتلك الآية دالة على البشارة بمقدم
محمد صلى الله عليه وسلم فقد حصل الغرض .
فإن قيل : إذا كان مذهبكم أن هذه الكتب قد دخلها التحريف والتغيير ، فكيف يمكن التعويل عليها ؟
قلنا : إنهم إنما حرفوها بسبب إخفاء
الآيات الدالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ، فإن بقيت فيها آيات دالة على نبوته كان ذلك من أقوى الدلائل على صحة نبوة
محمد عليه الصلاة والسلام ؛ لأنها لما بقيت مع توفر دواعيهم على إزالتها دل ذلك على أنها كانت في غاية الظهور ، وإما أن المقصود من ذلك
[ ص: 131 ] السؤال معرفة أي الأشياء ، ففيه قولان :
الأول : أنه القرآن ومعرفة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم .
والثاني : أنه رجع ذلك إلى قوله تعالى : (
فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ) [يونس : 93] والأول أولى ؛ لأنه هو الأهم ، والحاجة إلى معرفته أتم .
واعلم أنه تعالى لما بين هذا الطريق قال بعده : (
لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله ) أي : فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك ، وانتفاء التكذيب بآيات الله ، ويجوز أن يكون ذلك على طريق التهييج وإظهار التشدد ؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام عند نزوله : "
لا أشك ولا أسأل ، بل أشهد أنه الحق " .
ثم قال : (
ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين ) .
واعلم أن فرق المكلفين ثلاثة : إما أن يكون من المصدقين بالرسول ، أو من المتوقفين في صدقه ، أو من المكذبين ، ولا شك أن أمر المتوقف أسهل من أمر المكذب ، لا جرم قد ذكر المتوقف بقوله : (
فلا تكونن من الممترين ) ، ثم أتبعه بذكر المكذب ، وبين أنه من الخاسرين ، ثم إنه تعالى لما فصل هذا التفصيل ، بين أن له عبادا قضى عليهم بالشقاء فلا يتغيرون ، وعبادا قضى لهم بالكرامة ، فلا يتغيرون ، فقال : (
إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
نافع وابن عامر : (كلمات) على الجمع ، وقرأ الباقون : (كلمة) على لفظ الواحد ، وأقول : إنها (كلمات) بحسب الكثرة النوعية أو الصنفية ، وكلمة واحدة بحسب الواحدة الجنسية .
المسألة الثانية : المراد من هذه الكلمة حكم الله بذلك وإخباره عنه ، وخلقه في العبد مجموع القدرة والداعية الذي هو موجب لحصول ذلك الأثر ، أما الحكم والإخبار والعلم فظاهر ، وأما مجموع القدرة والداعي فظاهر أيضا ؛ لأن القدرة لما كانت صالحة للطرفين لم يترجح أحد الجانبين على الآخر إلا لمرجح ، وذلك المرجح من الله تعالى قطعا للتسلسل ، وعند حصول هذا المجموع يجب الفعل ، وقد احتج أصحابنا بهذه الآية على صحة قولهم في إثبات القضاء اللازم والقدر الواجب ، وهو حق وصدق ولا محيص عنه .
ثم قال تعالى : (
ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) والمراد أنهم لا يؤمنون البتة ، ولو جاءتهم الدلائل التي لا حد لها ولا حصر ؛ وذلك لأن الدليل لا يهدي إلا بإعانة الله تعالى ، فإذا لم تحصل تلك الإعانة ضاعت تلك الدلائل .