المسألة الثانية : أما حقيقة العبادة فذكرناها في قوله : (
إياك نعبد ) [ الفاتحة : 4 ] . وأما الخلق فحكى
الأزهري صاحب " التهذيب " عن
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري أنه التقدير والتسوية ، واحتجوا فيه بالآية والشعر والاستشهاد ، أما الآية فقوله تعالى : (
أحسن الخالقين ) [ المؤمنون : 14 ] ، أي المقدرين (
وتخلقون إفكا ) [ العنكبوت : 17 ] ، أي تقدرون كذبا (
وإذ تخلق من الطين ) [ المائدة : 110 ] ، أي تقدر .
وأما الشعر فقول زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ـض القوم يخلق ثم لا يفري
وقال آخر :
ولا يئط بأيدي الخالقين ولا أيدي الخوالق إلا جيد الأدم
وأما الاستشهاد : يقال : خلق النعل : إذا قدرها وسواها بالقياس ، ومنه قول العرب للأحاديث التي لا يصدق بها : أحاديث الخلق ، ومنه قوله تعالى : (
إن هذا إلا خلق الأولين ) [ الشعراء : 137 ] ،
والخلاق : المقدار من الخير ، وهو خليق ؛ أي جدير ، كأنه الذي منه الخلاق ، والصخرة الخلقاء : الملساء ؛ لأن في الملاسة استواء ، وفي الخشونة اختلاق ومنه " أخلق الثوب " لأنه إذا بلي صار أملس واستوى نتوه واعوجاجه ، فثبت أن الخلق عبارة عن التقدير والاستواء ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار : الخلق فعل بمعنى التقدير ، واللغة لا تقتضي أن ذلك لا يتأتى إلا من الله تعالى ، بل الكتاب نطق بخلافه في قوله : (
فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ المؤمنون : 14 ] ، (
وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ) [ المائدة : 110 ] لكنه تعالى لما كان يفعل الأفعال لعلمه بالعواقب وكيفية المصلحة ولا فعل له إلا كذلك ، لا جرم اختص بهذا الاسم . وقال أستاذه
أبو عبد الله البصري :
إطلاق اسم " خالق " على الله محال ؛ لأن التقدير والتسوية عبارة عن الفكر والنظر والحسبان ، وذلك في حق الله محال .
وقال جمهور أهل السنة والجماعة :
الخلق عبارة عن الإيجاد والإنشاء ، واحتجوا عليه بقول المسلمين : لا خالق إلا الله ، ولو كان الخلق عبارة عن التقدير لما صح ذلك .