واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا الاستثناء قال : (
إن ربك فعال لما يريد ) وهذا يحسن انطباقه على هذه الآية إذا حملنا الاستثناء على
إخراج الفساق من النار ، كأنه تعالى يقول : أظهرت القهر والقدرة ، ثم أظهرت المغفرة والرحمة ؛ لأني فعال لما أريد ، وليس لأحد علي حكم ألبتة .
ثم قال : (
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ
حمزة والكسائي وحفص عن
عاصم "
سعدوا " بضم السين ، والباقون بفتحها ، وإنما جاز ضم السين ؛ لأنه على حذف الزيادة من أسعد ، ولأن سعد لا يتعدى ، وأسعد يتعدى ، وسعد وأسعد بمعنى ، ومنه المسعود - من أسماء الرجال .
المسألة الثانية : الاستثناء في باب السعداء يجب حمله على أحد الوجوه المذكورة فيما تقدم ، وههنا وجه آخر ، وهو أنه ربما اتفق لبعضهم أن يرفع من الجنة إلى العرش وإلى المنازل الرفيعة التي لا يعلمها إلا الله تعالى ، قال الله تعالى : (
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ) [التوبة : 72 ] وقوله : (
عطاء غير مجذوذ ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : جذه يجذه جذا ، إذا قطعه ، وجذ الله دابرهم ، فقوله : (
غير مجذوذ ) أي غير مقطوع ، ونظيره قوله تعالى في صفة نعيم الجنة : (
لا مقطوعة ولا ممنوعة ) [الواقعة : 33 ] .
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى لما صرح في هذه الآية أنه ليس المراد من هذا الاستثناء كون هذه الحالة منقطعة ، فلما خص هذا الموضع بهذا البيان ولم يذكر ذلك في جانب الأشقياء ، دل ذلك على أن المراد من ذلك الاستثناء هو الانقطاع ، فهذا تمام الكلام في هذه الآية .