صفحة جزء
أما قول : ( السماء بناء ) ففيه مسائل :

المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر أمر السماوات والأرض في كتابه في مواضع ، ولا شك أن إكثار ذكر الله تعالى من ذكر السماوات والأرض يدل على عظم شأنهما ، وعلى أن له سبحانه وتعالى فيهما أسرارا عظيمة وحكما بالغة لا يصل إليها أفهام الخلق ولا عقولهم .

المسألة الثانية : في فضائل السماء ، وهي من وجوه :

الأول : أن الله تعالى زينها بسبعة أشياء ، بالمصابيح ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ) [ الملك : 5 ] ، وبالقمر ( وجعل القمر فيهن نورا ) [ نوح : 16 ] ، وبالشمس ( وجعل الشمس سراجا ) [ نوح : 16 ] ، وبالعرش ( رب العرش العظيم ) [ التوبة : 129 ] ، وبالكرسي ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) [ البقرة : 255 ] ، وباللوح ( في لوح محفوظ ) [ البروج : 22 ] ، وبالقلم ( ن والقلم ) [ القلم : 1 ] ، فهذه سبعة : ثلاثة منها ظاهرة ، وأربعة خفية ثبتت بالدلائل السمعية من الآيات والأخبار .

الثاني : أنه تعالى سمى السماوات بأسماء تدل على عظم شأنها : سماء ، وسقفا محفوظا ، وسبعا طباقا ، وسبعا شدادا . ثم ذكر عاقبة أمرها فقال : ( وإذا السماء فرجت ) [ المرسلات : 9 ] ، ( وإذا السماء كشطت ) [ التكوير : 11 ] ، ( يوم نطوي السماء ) [ الأنبياء : 104 ] ، ( يوم تكون السماء كالمهل ) [ المعارج : 8 ] ، ( يوم تمور السماء مورا ) [ الطور : 9 ] ، ( فكانت وردة كالدهان ) [ الرحمن : 37 ] ، وذكر مبدأها في آيتين فقال : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) [ فصلت : 11 ] ، وقال : ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) [ الأنبياء : 30 ] ، فهذا الاستقصاء الشديد في كيفية حدوثهما وفنائهما يدل على أنه سبحانه خلقهما لحكمة بالغة على ما قال : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا ) [ ص : 27 ] .

والثالث : أنه تعالى جعل السماء قبلة الدعاء : فالأيدي ترفع إليها ، والوجوه تتوجه نحوها ، وهي منزل الأنوار ومحل الصفاء والأضواء والطهارة والعصمة عن الخلل والفساد .

الرابع : قال بعضهم : السماوات والأرضون على صفتين ، فالسماوات مؤثرة غير متأثرة . والأرضون متأثرة غير مؤثرة والمؤثر أشرف من القابل ، فلهذا السبب قدم ذكر السماء على الأرض في الأكثر ، وأيضا ففي أكثر الأمر ذكر السماوات بلفظ الجمع ، والأرض بلفظ الواحد ، فإنه لا بد من السماوات الكثيرة ليحصل بسببها الاتصالات المختلفة للكواكب وتغير مطارح الشعاعات ، وأما الأرض فقابلة فكانت الأرض الواحدة كافية .

الخامس : تفكر في لون السماء وما فيه من صواب التدبير ، فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر وتقوية له ، حتى أن الأطباء يأمرون من أصابه وجع العين بالنظر إلى الزرقة ، فانظر كيف جعل الله تعالى أديم [ ص: 99 ] السماء ملونا بهذا اللون الأزرق ، لتنتفع به الأبصار الناظرة إليها ، فهو سبحانه وتعالى جعل لونها أنفع الألوان ، وهو المستنير وشكلها أفضل الأشكال ، وهو المستدير ، ولهذا قال : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ) [ ق : 6 ] يعني ما فيها من فصول ، ولو كانت سقفا غير محيط بالأرض لكانت الفروج حاصلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية