[ ص: 136 ]
(
ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير )
قوله تعالى : (
ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا ياأبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير )
اعلم أن
المتاع ما يصلح لأن يستمتع به ، وهو عام في كل شيء ، ويجوز أن يراد به ههنا الطعام الذي حملوه ، ويجوز أن يراد به أوعية الطعام .
ثم قال : (
وجدوا بضاعتهم ردت إليهم ) واختلف القراء في (
ردت ) فالأكثرون بضم الراء ، وقرأ
علقمة بكسر الراء .
قال صاحب "الكشاف" : كسرة الدال المدغمة نقلت إلى الراء كما في قيل وبيع .
وحكى
قطرب أنهم قالوا في قولنا : ضرب زيد على نقل كسرة الراء فيمن سكنها إلى الضاد ، وأما قوله : (
ما نبغي ) ففي كلمة ( ما ) قولان :
القول الأول : أنها للنفي ، وعلى هذا التقدير ففيه وجوه :
الأول : أنهم كانوا قد
وصفوا يوسف بالكرم واللطف وقالوا : إنا قدمنا على رجل في غاية الكرم أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من
آل يعقوب لما فعل ذلك ، فقولهم : (
ما نبغي ) أي بهذا الوصف الذي ذكرناه كذبا ولا ذكر شيء لم يكن .
الثاني : أنه بلغ في الإكرام إلى غاية ما وراءها شيء آخر ، فإنه بعد أن بالغ في إكرامنا أمر ببضاعتنا فردت إلينا .
الثالث : المعنى أنه رد بضاعتنا إلينا ، فنحن لا نبغي منه عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى ، فإن هذه التي معنا كافية لنا .
والقول الثاني : أن كلمة "ما" ههنا للاستفهام ، والمعنى : لما رأوا أنه رد إليهم بضاعتهم قالوا : ما نبغي بعد هذا ؟ أي أعطانا الطعام ، ثم رد علينا ثمن الطعام على أحسن الوجوه ، فأي شيء نبغي وراء ذلك ؟
واعلم أنا إذا حملنا "ما" على الاستفهام صار التقدير : أي شيء نبغي فوق هذا الإكرام ؟ إن الرجل رد دراهمنا إلينا ، فإذا ذهبنا إليه نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير بسبب حضور أخينا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : يقال : ماره يميره ميرا ، إذا أتاه بميرة أي : بطعام ، ومنه يقال : ما عنده خير ولا مير ، وقوله : (
ونزداد كيل بعير ) معناه : أن
يوسف عليه السلام كان يكيل لكل رجل حمل بعير ، فإذا حضر أخوه فلا بد وأن يزداد ذلك الحمل ، وأما إذا حملنا كلمة "ما" على النفي ؛ كان المعنى لا نبغي شيئا آخر ؛ هذه بضاعتنا ردت إلينا ، فهي كافية لثمن الطعام في الذهاب الثاني ، ثم نفعل كذا وكذا .
وأما قوله : (
ذلك كيل يسير ) ففيه وجوه :
الأول : قال
مقاتل : ذلك كيل يسير على هذا الرجل المحسن لسخائه وحرصه على البذل ، وهو اختيار
الزجاج .
والثاني : ذلك كيل يسير ، أي قصير المدة ؛ ليس سبيل مثله أن تطول مدته بسبب الحبس والتأخير .
والثالث : أن يكون المراد : ذلك الذي يدفع إلينا دون أخينا شيء يسير قليل ؛ فابعث أخانا معنا حتى نتبدل تلك القلة بالكثرة .