[ ص: 144 ]
(
قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين )
قوله تعالى : (
قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين )
قال
البصريون : الواو في ( والله ) بدل من التاء ، والتاء بدل من الواو ، فضعفت عن التصرف في سائر الأسماء ، وجعلت فيما هو أحق بالقسم وهو اسم الله عز وجل .
قال المفسرون : حلفوا على أمرين :
أحدهما : على أنهم ما جاءوا لأجل الفساد في الأرض لأنه ظهر من أحواله امتناعهم من التصرف في أموال الناس بالكلية لا بالأكل ولا بإرسال الدواب في مزارع الناس ، حتى روي أنهم كانوا قد سدوا أفواه دوابهم لئلا تعبث في زرع ، وكانوا مواظبين على أنواع الطاعات ، ومن كانت هذه صفته فالفساد في الأرض لا يليق به .
والثاني : أنهم ما كانوا سارقين ، وقد حصل لهم فيه شاهد قاطع ، وهو أنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بلادهم إلى
مصر ولم يستحلوا أخذها ، والسارق لا يفعل ذلك البتة ثم لما بينوا براءتهم عن تلك التهمة قال أصحاب
يوسف عليه السلام : (
فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ) فأجابوا و (
قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كانوا في ذلك الزمان يستعبدون كل سارق بسرقته ، وكان استعباد السارق في شرعهم يجري مجرى وجوب القطع في شرعنا ، والمعنى جزاء هذا الجرم من وجد المسروق في رحله ، أي ذلك الشخص هو جزاء ذلك الجرم ، والمعنى : أن استعباده هو جزاء ذلك الجرم ، قال
الزجاج : وفيه وجهان :
أحدهما : أن يقال : ( جزاؤه ) مبتدأ ، و ( من وجد في رحله ) خبره . والمعنى :
جزاء السرقة هو الإنسان الذي وجد في رحله السرقة ، ويكون قوله : (
فهو جزاؤه ) زيادة في البيان كما تقول : جزاء السارق القطع فهو جزاؤه .
الثاني : أن يقال : (
جزاؤه ) مبتدأ وقوله : (
من وجد في رحله فهو جزاؤه ) جملة وهي في موضع خبر المبتدأ . والتقدير : كأنه قيل : جزاؤه من وجد في رحله فهو هو ، إلا أنه أقام المضمر للتأكيد والمبالغة في البيان وأنشد النحويون :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وأما قوله : (
كذلك نجزي الظالمين ) أي مثل هذا الجزاء جزاء الظالمين يريد إذا سرق استرق ، ثم قيل : هذا من بقية كلام أخوة
يوسف . وقيل : إنهم لما قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ، فقال أصحاب
يوسف : (
كذلك نجزي الظالمين ) .