(
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) .
قوله تعالى : (
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) .
اعلم أن في المراد بهذا السجود قولين :
القول الأول : أن المراد منه السجود بمعنى وضع الجبهة على الأرض ، وعلى هذا الوجه ففيه وجهان :
أحدهما : أن اللفظ وإن كان عاما إلا أن المراد به الخصوص وهم المؤمنون ، فبعض المؤمنين يسجدون لله طوعا بسهولة ونشاط ، ومن المسلمين من يسجد لله كرها لصعوبة ذلك عليه مع أنه يحمل نفسه على أداء تلك الطاعة شاء أم أبى.
والثاني : أن اللفظ عام والمراد منه أيضا العام وعلى هذا ففي الآية إشكال ؛ لأنه ليس كل من في السماوات والأرض يسجد لله ، بل الملائكة يسجدون لله ، والمؤمنون من الجن والإنس يسجدون لله تعالى ، وأما الكافرون فلا يسجدون.
الجواب عنه من وجهين :
الأول : أن المراد من قوله : (
ولله يسجد من في السماوات والأرض ) أي
ويجب على كل من في السماوات والأرض أن يسجد لله ، فعبر عن الوجوب بالوقوع والحصول.
والثاني : وهو أن
المراد من السجود التعظيم والاعتراف بالعبودية ،
وكل من في السماوات ومن في الأرض يعترفون بعبودية الله تعالى على ما قال : (
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ لقمان : 25].
وأما القول الثاني في تفسير الآية ، فهو أن السجود عبارة عن الانقياد والخضوع وعدم الامتناع ، وكل من في السماوات والأرض ساجد لله بهذا المعنى ؛ لأن قدرته ومشيئته نافذة في الكل وتحقيق القول فيه أن ما
[ ص: 25 ] سواه ممكن لذاته ، والممكن لذاته هو الذي تكون ماهيته قابلة للعدم والوجود على السوية ، وكل من كان كذلك امتنع رجحان وجوده على عدمه أو بالعكس ، إلا بتأثير موجود ومؤثر ، فيكون وجود كل ما سوى الحق سبحانه بإيجاده ، وعدم كل ما سواه بإعدامه ، فتأثيره نافذ في جميع الممكنات في طرفي الإيجاد والإعدام ، وذلك هو السجود وهو التواضع والخضوع والانقياد ، ونظير هذه الآية قوله : (
بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون ) [البقرة : 116] وقوله : (
وله أسلم من في السماوات والأرض ) [آل عمران : 83].
وأما قوله تعالى : (
طوعا وكرها ) فالمراد : أن بعض الحوادث مما يميل الطبع إلى حصوله كالحياة والغنى ، وبعضها مما ينفر الطبع عنه كالموت والفقر والعمى والحزن والزمانة وجميع أصناف المكروهات ، والكل حاصل بقضائه وقدره وتكوينه وإيجاده ، ولا قدرة لأحد على الامتناع والمدافعة.
ثم قال تعالى : (
وظلالهم بالغدو والآصال ) وفيه قولان :
القول الأول : قال المفسرون :
كل شخص سواء كان مؤمنا أو كافرا ، فإن ظله يسجد لله ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : ظل المؤمن يسجد لله طوعا وهو طائع ، وظل الكافر يسجد لله كرها وهو كاره ، وقال
الزجاج : جاء في التفسير أن
الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله ، وعند هذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : لا يبعد أن يخلق الله تعالى للظلال عقولا وأفهاما تسجد بها وتخشع ، كما جعل الله للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيح الله تعالى ، وحتى ظهر أثر التجلي فيها كما قال : (
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) [الأعراف : 143].
والقول الثاني : وهو أن
المراد من سجود الظلال ميلانها من جانب إلى جانب وطولها بسبب انحطاط الشمس وقصرها بسبب ارتفاع الشمس ، فهي منقادة مستسلمة في طولها وقصرها وميلها من جانب إلى جانب ، وإنما خصص الغدو والآصال بالذكر ؛ لأن الظلال إنما تعظم وتكثر في هذين الوقتين.