المسألة الثانية :
زعم جهم أن الله تعالى لا يقع عليه اسم الشيء .
اعلم أن هذا النزاع ليس إلا في اللفظ ، وهو أن هذا الاسم هل يقع عليه أم لا ، وزعم أنه لا يقع هذا الاسم على الله تعالى ، واحتج عليه بأنه لو كان شيئا لوجب كونه خالقا لنفسه ، لقوله تعالى : (
الله خالق كل شيء ) ولما كان ذلك محالا ، وجب أن لا يقع عليه اسم الشيء ، ولا يقال : هذا عام دخله التخصيص ؛ لأن العام المخصوص إنما يحسن إذا كان المخصوص أقل من الباقي وأخس منه ، كما إذا قال : أكلت هذه الرمانة مع أنه سقطت منها حبات ما أكلها ، وهاهنا
ذات الله تعالى أعلى الموجودات وأشرفها ، فكيف يمكن ذكر اللفظ العام الذي يتناوله مع كون الحكم مخصوصا في حقه؟
والحجة الثانية : تمسك بقوله تعالى : (
ليس كمثله شيء ) والمعنى : ليس مثل مثله شيء ، ومعلوم أن كل حقيقة فإنها مثل مثل نفسها ، فالباري تعالى مثل مثل نفسه ، مع أنه تعالى نبه على أن مثل مثله ليس بشيء ، فهذا تنصيص على أنه تعالى غير مسمى باسم الشيء.
والحجة الثالثة : قوله تعالى : (
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) [الأعراف : 180] دلت هذه الآية على أنه
لا يجوز أن يدعى الله إلا بالأسماء الحسنى ، ولفظ الأشياء يتناول أخس الموجودات ، فلا يكون هذا اللفظ مشعرا بمعنى حسن ، فوجب أن لا يكون هذا اللفظ من الأسماء الحسنى ، فوجب أن لا يجوز دعاء الله تعالى بهذا اللفظ ، والأصحاب تمسكوا في إطلاق هذا الاسم عليه تعالى بقوله : (
قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم ) [الأنعام : 19].
وأجاب الخصم عنه بأن قوله : (
قل أي شيء أكبر شهادة ) سؤال متروك الجواب ، وقوله : (
قل الله شهيد بيني وبينكم ) كلام مبتدأ مستقل بنفسه لا تعلق له بما قبله.