القيد السادس : قوله تعالى : (
والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ) فيدخل فيه
الصبر على فعل العبادات والصبر على ثقل الأمراض والمضار والغموم والأحزان ، والصبر على ترك المشتهيات وبالجملة
الصبر على ترك المعاصي وعلى أداء الطاعات ، ثم إن
الإنسان قد يقدم على الصبر لوجوه :
أحدها : أن يصبر ليقال ما أكمل صبره وأشد قوته على تحمل النوازل.
وثانيها : أن يصبر لئلا يعاب بسبب الجزع.
وثالثها : أن يصبر لئلا تحصل شماتة الأعداء.
ورابعها : أن يصبر لعلمه بأن لا فائدة في الجزع ، فالإنسان إذا أتى بالصبر لأحد هذه الوجوه لم يكن ذلك داخلا في كمال النفس وسعادة القلب ، أما إذا
صبر على البلاء لعلمه بأن ذلك البلاء قسمة حكم بها القسام العلام المنزه عن العيب والباطل والسفه ، بل لا بد أن تكون تلك القسمة مشتملة على حكمة بالغة ومصلحة راجحة ، ورضي بذلك لأنه تصرف المالك في ملكه ولا اعتراض على المالك في أن يتصرف في ملكه , أو يصبر لأنه صار مستغرقا في مشاهدة المبلي ، فكان استغراقه في تجلي نور المبلي أذهله عن التألم بالبلاء ، وهذا أعلى مقامات الصديقين ، فهذه الوجوه الثلاثة هي التي يصدق عليها أنه صبر ابتغاء وجه ربه ، ومعناه أنه صبر لمجرد ثوابه وطلب رضا الله تعالى .
واعلم أن قوله : (
ابتغاء وجه ربهم ) فيه دقيقة ، وهي أن العاشق إذا ضربه معشوقه ، فربما نظر العاشق لذلك الضارب وفرح به ، فقوله : (
ابتغاء وجه ربهم ) محمول على هذا المجاز ، يعني كما أن العاشق يرضى بذلك الضرب لالتذاذه بالنظر إلى وجه معشوقه ، فكذلك العبد يصبر على البلاء والمحنة ، ويرضى به
[ ص: 35 ] لاستغراقه في معرفة نور الحق وهذه دقيقة لطيفة.
القيد السابع : قوله : (
وأقاموا الصلاة ) .
واعلم أن الصلاة والزكاة ، وإن كانتا داخلتين في الجملة الأولى ، إلا أنه تعالى أفردها بالذكر تنبيها على كونها أشرف من سائر العبادات ، وقد سبق في هذا الكتاب تفسير إقامة الصلاة ، ولا يمتنع إدخال النوافل فيه أيضا.