المسألة الثانية : إنما قال : (
نزلنا ) على لفظ التنزيل دون الإنزال ؛ لأن المراد النزول على سبيل التدريج ، وذكر هذا اللفظ هو اللائق بهذا المكان ؛ لأنهم كانوا يقولون : لو كان هذا من عند الله ومخالفا لما يكون من عند الناس لم ينزل هكذا نجوما سورة بعد سورة على حسب النوازل ووقوع الحوادث وعلى سنن ما
[ ص: 108 ] نرى عليه أهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقا حينا فحينا بحسب ما يظهر من الأحوال المتجددة والحاجات المختلفة ، فإن الشاعر لا يظهر ديوان شعره دفعة والمترسل لا يظهر ديوان رسائله وخطبه دفعة ، فلو أنزله الله تعالى لأنزله على خلاف هذه العادة جملة (
وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ) [ الفرقان : 32 ] ، والله سبحانه وتعالى ذكر ههنا ما يدل على أن
القرآن معجز مع ما يزيل هذه الشبهة . وتقريره أن هذا القرآن النازل على هذا التدريج إما أن يكون من جنس مقدور البشر أو لا يكون ، فإن كان الأول وجب إتيانهم بمثله أو بما يقرب منه على التدريج ، وإن كان الثاني ثبت أنه مع نزوله على التدريج معجز . وقرئ : (على عبادنا) يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمته .