(
كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ) .
قوله تعالى : (
كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ) .
اعلم أن الكاف في "كذلك" للتشبيه ، فقيل : وجه التشبيه أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك في أمة قد خلت من قبلها أمم ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن وقتادة ، وقيل : كما أرسلنا إلى أمم وأعطيناهم كتبا تتلى عليهم ، كذلك أعطيناك هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم فماذا اقترحوا غيره ، وقال صاحب الكشاف : "كذلك أرسلناك" أي مثل ذلك الإرسال "أرسلناك" يعني أرسلناك إرسالا له شأن وفضل على سائر الإرسالات ، ثم فسر كيف أرسله ، فقال : (
في أمة قد خلت من قبلها أمم ) أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم ، فهي آخر الأمم وأنت
آخر الأنبياء .
أما قوله : (
لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ) فالمراد : لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك : (
وهم يكفرون بالرحمن ) أي : وحال هؤلاء أنهم
يكفرون بالرحمن الذي رحمته وسعت كل شيء ، وما بهم من نعمة فمنه ، وكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وإنزال هذا القرآن المعجز عليهم : (
قل هو ربي ) الواحد المتعالي عن الشركاء (
لا إله إلا هو عليه توكلت ) في نصرتي عليكم (
وإليه متاب ) فيعينني على مصابرتكم ومجاهدتكم ، قيل : نزل قوله : (
وهم يكفرون بالرحمن ) في
عبد الله بن أمية المخزومي ، وكان يقول : أما الله فنعرفه ، وأما الرحمن فلا نعرفه إلا صاحب
اليمامة ، يعنون
مسيلمة الكذاب ؛ فقال تعالى : (
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [الإسراء : 110] وكقوله :
[ ص: 42 ] (
وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ) [الفرقان : 60] وقيل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013009إنه عليه السلام حين صالح قريشا من الحديبية كتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ، فقال المشركون : إن كنت رسول الله وقد قاتلناك فقد ظلمنا ، ولكن اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، فكتب كذلك ، ولما كتب في الكتاب "بسم الله الرحمن الرحيم" قالوا : أما الرحمن فلا نعرفه ، وكانوا يكتبون باسمك اللهم ، فقال عليه السلام : "اكتبوا ما تريدون".
واعلم أن قوله : (
وهم يكفرون بالرحمن ) إذا حملناه على هاتين الروايتين كان معناه أنهم كفروا بإطلاق هذا الاسم على الله تعالى ، لا أنهم كفروا بالله تعالى ، وقال آخرون : بل كفروا بالله إما جحدا له وإما لإثباتهم الشركاء معه ، قال القاضي : وهذا القول أليق بالظاهر ؛ لأن قوله تعالى : (
وهم يكفرون بالرحمن ) يقتضي أنهم كفروا بالله ، وهو المفهوم من الرحمن ، وليس المفهوم منه الاسم كما لو قال قائل : كفروا
بمحمد وكذبوا به لكان المفهوم هو دون اسمه.