[ ص: 125 ] المسألة الخامسة : قال صاحب " الكشاف " :
ضرب المثل : اعتماده وتكوينه ، من ضرب اللبن وضرب الخاتم .
المسألة السادسة : انتصب (بعوضة) بأنه عطف بيان لـ (مثلا) أو مفعول لـ (يضرب) و (مثلا) حال من النكرة مقدم عليه ، أو ثاني مفعولين لـ (يضرب) مضمنا معنى يجعل ، وهذا إذا كانت (ما) صلة أو إبهامية ، فإن كانت مفسرة ببعوضة فهي تابعة لما هي تفسير له ، والمفسر والمفسر معا لمجموعهما عطف بيان أو مفعول ، و (مثلا) حال مقدمة .
وأما رفعها فبكونها خبر مبتدأ ، أما إذا كانت (ما) موصولة أو موصوفة أو استفهامية فأمرها ظاهر ، فإذا كانت إبهامية فهي على الجواب ، كأن قائلا قال : ما هو ؟ فقيل : بعوضة .
المسألة السابعة : قال صاحب " الكشاف " : اشتقاق البعوض من البعض وهو القطع كالبضع والعضب ، يقال : بعضه البعوض ، ومنه : بعض الشيء ؛ لأنه قطعة منه ، والبعوض في أصله صفة على فعول كالقطوع ، فغلبت اسميته ، وعن بعضهم : اشتقاقه من بعض الشيء ، سمي به لقلة جرمه وصغره ولأن بعض الشيء قليل بالقياس إلى كله ، والوجه القوي هو الأول ، قال : وهو من عجائب خلق الله تعالى ؛ فإنه صغير جدا وخرطومه في غاية الصغر ثم إنه مع ذلك مجوف ثم ذلك الخرطوم مع فرط صغره وكونه جوفا يغوص في جلد الفيل والجاموس على ثخانته ، كما يضرب الرجل إصبعه في الخبيص ، وذلك لما ركب الله في رأس خرطومه من السم .
المسألة الثامنة : في قوله : (
فما فوقها ) وجهان :
أحدهما : أن يكون المراد فما هو أعظم منها في الجثة كالذباب والعنكبوت والحمار والكلب ، فإن القوم أنكروا تمثيل الله تعالى بكل هذه الأشياء . والثاني : أراد بما فوقها في الصغر أي بما هو أصغر منها ، والمحققون مالوا إلى هذا القول لوجوه
: أحدها : أن المقصد من هذا التمثيل تحقير الأوثان ، وكلما كان المشبه به أشد حقارة كان المقصود في هذا الباب أكمل حصولا .
وثانيها : أن الغرض ههنا بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الحقير ، وفي مثل هذا الموضع يجب أن يكون المذكور ثانيا أشد حقارة من الأول ، يقال : إن فلانا يتحمل الذل في اكتساب الدينار ، وفي اكتساب ما فوقه ، يعني في القلة ؛ لأن تحمل الذل في اكتساب أقل من الدينار أشد من تحمله في اكتساب الدينار .
وثالثها : أن الشيء كلما كان أصغر كان الاطلاع على أسراره أصعب ، فإذا كان في نهاية الصغر لم يحط به إلا علم الله تعالى ، فكان التمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من التمثيل بالشيء الكبير ، واحتج الأولون بوجهين :
الأول : بأن لفظ " فوق " يدل على العلو ، فإذا قيل هذا فوق ذاك ، فإنما معناه أنه أكبر منه ، ويروى أن رجلا مدح عليا - رضي الله عنه - والرجل متهم فيه ، فقال علي : أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك ، أراد بهذا أعلى مما في نفسك .
الثاني :
كيف يضرب المثل بما دون البعوضة وهي النهاية في الصغر ؟
والجواب عن الأول : أن كل شيء كان ثبوت صفة فيه أقوى من ثبوتها في شيء آخر كان ذلك الأقوى فوق الأضعف في تلك الصفة ، يقال : إن فلانا فوق فلان في اللؤم والدناءة . أي هو أكثر لؤما ودناءة منه ، وكذا إذا قيل : هذا فوق ذلك في الصغر ، وجب أن يكون أكثر صغرا منه ، والجواب عن الثاني أن جناح البعوضة أقل منها وقد ضربه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلا للدنيا .