[ ص: 78 ] (
وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون ) .
قوله تعالى : (
وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون ) .
اعلم أن هذا أيضا من بقية
وعيد المشركين ، وفي الشركاء قولان :
القول الأول :
أنه تعالى يبعث الأصنام التي كان يعبدها المشركون ، والمقصود من إعادتها أن المشركين يشاهدونها في غاية الذلة والحقارة . وأيضا أنها تكذب المشركين ، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغم والحسرة في قلوبهم ، وإنما وصفهم الله بكونهم شركاء لوجهين :
الأول : أن الكفار كانوا يسمونها بأنها شركاء الله .
والثاني : أن الكفار جعلوا لهم نصيبا من أموالهم .
والقول الثاني : أن المراد بالشركاء الشياطين الذين دعوا الكفار إلى الكفر ، وهو قول
الحسن ، وإنما ذهب إلى هذا القول ؛ لأنه تعالى حكى عن أولئك الشركاء أنهم ألقوا إلى الذين أشركوا أنهم لكاذبون ، والأصنام جمادات فلا يصح منهم هذا القول ، فوجب أن يكون المراد من الشركاء الشياطين حتى يصح منهم هذا القول وهذا بعيد ؛ لأنه تعالى قادر على خلق الحياة في تلك الأصنام وعلى خلق العقل والنطق فيها ، وحينئذ يصح منها هذا القول ، ثم حكى تعالى عن المشركين أنهم إذا رأوا تلك الشركاء قالوا : ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك .
فإن قيل : فما فائدتهم في هذا القول ؟
قلنا : فيه وجهان :
الأول : قال
أبو مسلم الأصفهاني : مقصود المشركين إحالة الذنب على هذه الأصنام وظنوا أن ذلك ينجيهم من عذاب الله تعالى أو ينقص من عذابهم ، فعند هذا تكذبهم تلك الأصنام . قال القاضي : هذا بعيد ؛ لأن الكفار يعلمون علما ضروريا في الآخرة أن العذاب سينزل بهم ، وأنه لا نصرة ولا فدية ولا شفاعة .
والقول الثاني : أن المشركين يقولون هذا الكلام ؛ تعجبا من حضور تلك الأصنام مع أنه لا ذنب لها ، واعترافا بأنهم كانوا مخطئين في عبادتها . ثم حكى تعالى أن الأصنام يكذبونهم ، فقال : (
فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ) والمعنى : أنه تعالى يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام حتى تقول هذا القول ، وقوله : (
إنكم لكاذبون ) بدل من القول ، والتقدير : فألقوا إليهم إنكم لكاذبون .
فإن قيل : إن المشركين ما قالوا ، إلا أنهم لما أشاروا إلى الأصنام قالوا : إن هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك ، وقد كانوا صادقين في كل ذلك ، فكيف قالت الأصنام "إنكم لكاذبون" ؟
قلنا : فيه وجوه : والأصح أن يقال : المراد من قولهم "هؤلاء شركاؤنا" هو أن هؤلاء الذين كنا نقول أنهم
[ ص: 79 ] شركاء الله في المعبودية ، فالأصنام كذبوهم في إثبات هذه الشركة . وقيل : المراد إنكم لكاذبون في قولكم : إنا نستحق العبادة ، ويدل عليه قوله تعالى : (
كلا سيكفرون بعبادتهم ) [مريم : 82] .
ثم قال تعالى : (
وألقوا إلى الله يومئذ السلم ) قال
الكلبي : استسلم العابد والمعبود ، وأقروا لله بالربوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد : (
وضل عنهم ما كانوا يفترون ) وفيه وجهان . وقيل : ذهب عنهم ما زين لهم الشيطان من أن لله شريكا وصاحبة وولدا . وقيل :
بطل ما كانوا يأملون من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله تعالى .