المسألة السادسة : أجمعوا على أنه لا يجب عليه
التكلم بكلمة الكفر ، ويدل عليه وجوه :
أحدها : أنا روينا أن
بلالا صبر على ذلك العذاب ، وكان يقول : أحد أحد ، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس ما صنعت ، بل عظمه عليه ، فدل ذلك على أنه لا يجب التكلم بكلمة الكفر .
وثانيها : ما روي
أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين ، فقال لأحدهما : ما تقول في محمد ؟ فقال : رسول الله ، فقال : ما تقول في ؟ قال : أنت أيضا ، فخلاه ، وقال للآخر : ما تقول في محمد ؟ قال رسول الله ، قال : ما تقول في ؟ قال : أنا أصم ، فأعاد عليه ثلاثا ، فأعاد جوابه ، فقتله ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "أما الأول فقد أخذ برخصة الله ، وأما الثاني فقد صدع بالحق ، فهنيئا له " . وجه الاستدلال بهذا الخبر من وجهين :
الأول : أنه سمى التلفظ بكلمة الكفر رخصة .
والثاني : أنه عظم حال من أمسك عنه حتى قتل .
وثالثها : أن بذل النفس في تقرير الحق أشق ، فوجب أن يكون أكثر ثوابا ؛ لقوله - عليه السلام - : "
أفضل العبادات أحمزها " أي : أشقها .
ورابعها : أن الذي أمسك عن كلمة الكفر طهر قلبه ولسانه عن الكفر . أما الذي تلفظ بها فهب أن قلبه طاهر عنه إلا أن لسانه في الظاهر قد تلطخ بتلك الكلمة الخبيثة ؛ فوجب أن يكون حال الأول أفضل ، والله أعلم .