(
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ) .
قوله تعالى : (
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ) .
اعلم أن هذه الآية إلى آخرها مذكورة في سورة البقرة ، مفسرة هناك ولا فائدة في الإعادة ، وأقول : إنه تعالى حصر المحرمات في هذه الأشياء الأربعة في هذه السورة ؛ لأن لفظة " إنما " تفيد الحصر ، وحصرها أيضا في هذه الأربعة في سورة الأنعام في قوله تعالى : (
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم ) [الأنعام : 145] .
[ ص: 105 ] وهاتان السورتان مكيتان ، وحصرها أيضا في هذه الأربعة في سورة البقرة ؛ لأن هذه الآية بهذه اللفظة وردت في سورة البقرة ، وحصرها أيضا في سورة المائدة ، فإنه تعالى قال في أول هذه السورة : (
أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم ) [المائدة : 1] . فأباح الكل إلا ما يتلى عليهم . وأجمعوا على أن المراد بقوله (
عليكم ) هو قوله تعالى في تلك السورة : (
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ) . فذكر تلك الأربعة المذكورة في تلك السور الثلاثة . ثم قال : (
والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ) [المائدة : 3] . وهذه الأشياء داخلة في الميتة ، ثم قال : (
وما ذبح على النصب ) [المائدة : 3] . وهو أحد الأقسام الداخلة تحت قوله : (
وما أهل به لغير الله ) .
فثبت أن هذه السور الأربعة دالة على حصر المحرمات في هذه الأربع ؛ سورتان مكيتان ، وسورتان مدنيتان ، فإن سورة البقرة مدنية ، وسورة المائدة من آخر ما أنزل الله تعالى
بالمدينة ، فمن أنكر حصر التحريم في هذه الأربع إلا ما خصه الإجماع والدلائل القاطعة كان في محل أن يخشى عليه ؛ لأن هذه السورة دلت على أن حصر المحرمات في هذه الأربع كان شرعا ثابتا في أول أمر
مكة وآخرها ، وأول
المدينة وآخرها ، وأنه تعالى أعاد هذا البيان في هذه السور الأربع قطعا للأعذار وإزالة للشبهة ، والله أعلم .