(
ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) .
قوله تعالى : (
ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) .
[ ص: 107 ] اعلم أن المقصود بيان
أن الافتراء على الله ، ومخالفة أمر الله لا يمنعهم من التوبة وحصول المغفرة والرحمة . ولفظ السوء يتناول كل ما لا ينبغي ، وهو الكفر والمعاصي ، وكل من عمل السوء فإنما يفعله بالجهالة ، أما الكفر فلأن أحدا لا يرضى به مع العلم بكونه كفرا ، فإنه ما لم يعتقد كون ذلك المذهب حقا وصدقا ، فإنه لا يختاره ولا يرتضيه ، وأما المعصية فما لم تصر الشهوة غالبة للعقل والعلم لم تصدر عنه تلك المعصية ، فثبت أن كل من عمل السوء فإنما يقدم عليه بسبب الجهالة ، فقال تعالى : إنا قد بالغنا في تهديد أولئك الكفار الذين يحللون ويحرمون بمقتضى الشهوة والفرية على الله تعالى ، ثم إنا بعد ذلك نقول : إن ربك في حق الذين عملوا السوء بسبب الجهالة ، ثم تابوا من بعد ذلك ، أي من بعد تلك السيئة ، وقيل : من بعد تلك الجهالة ، ثم إنهم بعد التوبة عن تلك السيئات أصلحوا ، أي آمنوا وأطاعوا الله .
ثم أعاد قوله : (
إن ربك من بعدها ) على سبيل التأكيد . ثم قال : (
لغفور رحيم ) والمعنى : أنه لغفور رحيم لذلك السوء الذي صدر عنهم بسبب الجهالة ، وحاصل الكلام أن الإنسان وإن كان قد أقدم على الكفر والمعاصي دهرا دهيرا وأمدا مديدا ، فإذا تاب عنه وآمن وأتى بالأعمال الصالحة فإن
الله غفور رحيم ، يقبل توبته ويخلصه من العذاب .