(
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) .
قوله تعالى : (
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) .
اعلم أنه تعالى لما
أمر محمدا صلى الله عليه وسلم بمتابعة إبراهيم - عليه السلام - ، وكان
محمد - عليه السلام - اختار يوم
[ ص: 110 ] الجمعة ، فهذه المتابعة إنما تحصل إذا قلنا : إن
إبراهيم - عليه السلام - كان قد اختار في شرعه يوم الجمعة ، وعند هذا لسائل أن يقول : فلم
اختار اليهود يوم السبت ؟
فأجاب الله تعالى عنه بقوله : (
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ) وفي الآية قولان :
القول الأول : روى
الكلبي عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : أمرهم
موسى بالجمعة ، وقال : تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما واحدا وهو يوم الجمعة لا تعملوا فيه شيئا من أعمالكم ، فأبوا أن يقبلوا ذلك ، وقالوا : لا نريد إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق وهو يوم السبت ، فجعل الله تعالى السبت لهم وشدد عليهم فيه ، ثم جاءهم
عيسى - عليه السلام - أيضا بالجمعة ، فقالت
النصارى : لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا واتخذوا الأحد .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013068إن الله كتب يوم الجمعة على من كان قبلنا فاختلفوا فيه ، وهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا والنصارى بعد غد " .
إذا عرفت هذا فنقول : قوله تعالى : (
على الذين اختلفوا فيه ) أي على نبيهم
موسى حيث أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت ، فاختلافهم في السبت كان اختلافا على نبيهم في ذلك اليوم ، أي : لأجله ، وليس معنى قوله : (
اختلفوا فيه ) أن
اليهود اختلفوا فيه ، فمنهم من قال بالسبت ، ومنهم من لم يقل به ؛ لأن
اليهود اتفقوا على ذلك ، فلا يمكن تفسير قوله : (
اختلفوا فيه ) بهذا ، بل الصحيح ما قدمناه .
فإن قال قائل : هل في العقل وجه يدل على أن يوم
الجمعة أفضل من يوم السبت ؟ وذلك لأن أهل الملل اتفقوا على أنه تعالى خلق العالم في ستة أيام ، وبدأ تعالى بالخلق والتكوين من يوم الأحد ، وتم في يوم الجمعة ، فكان يوم السبت يوم الفراغ ، فقالت
اليهود : نحن نوافق ربنا في ترك الأعمال ، فعينوا السبت لهذا المعنى ، وقالت
النصارى : مبدأ الخلق والتكوين هو يوم الأحد ، فنجعل هذا اليوم عيدا لنا ، فهذان الوجه ان معقولان ، فما
الوجه في جعل يوم الجمعة عيدا لنا ؟
قلنا : يوم الجمعة هو يوم الكمال والتمام ، وحصول التمام والكمال يوجب الفرح الكامل والسرور العظيم ، فجعل يوم الجمعة يوم العيد أولى من هذا الوجه ، والله أعلم .
والقول الثاني في اختلافهم في السبت : أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرموه تارة ، وكان الواجب عليهم أن يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة .
ثم قال تعالى : (
وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) والمعنى :
أنه تعالى سيحكم يوم القيامة للمحقين بالثواب ، وللمبطلين بالعقاب .