ثم قال تعالى : (
عسى ربكم أن يرحمكم ) والمعنى : لعل ربكم أن يرحمكم ويعفو عنكم بعد انتقامه منكم يا
بني إسرائيل .
ثم قال : (
وإن عدتم عدنا ) يعني : أن بعثنا عليكم من بعثنا ، ففعلوا بكم ما فعلوا عقوبة لكم وعظة لتنتفعوا به وتزدجروا به عن ارتكاب المعاصي ، ثم رحمكم فأزال هذا العذاب عنكم ، فإن عدتم مرة أخرى إلى المعصية عدنا إلى صب البلاء عليكم في الدنيا مرة أخرى .
قال
القفال : إنما حملنا هذه الآية على
عذاب الدنيا لقوله تعالى في سورة الأعراف خبرا عن
بني إسرائيل : (
وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) [ الأعراف : 167 ] ثم قال : (
وإن عدتم عدنا ) أي : وإنهم قد عادوا إلى فعل ما لا ينبغي وهو التكذيب
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وكتمان ما ورد في التوراة والإنجيل ، فعاد الله عليهم بالتعذيب على أيدي العرب . فجرى على
بني النضير وقريظة وبني قينقاع ويهود خيبر ما جرى من القتل والجلاء ، ثم الباقون منهم مقهورون بالجزية لا ملك لهم ولا سلطان .
ثم قال تعالى : (
وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) والحصير فعيل فيحتمل أن يكون بمعنى الفاعل ، أي : وجعلنا جهنم حاصرة لهم ، ويحتمل أن يكون بمعنى مفعول ، أي : جعلناها موضعا محصورا لهم ، والمعنى أن عذاب الدنيا وإن كان شديدا قويا إلا أنه قد يتفلت بعض الناس عنه ، والذي يقع في ذلك العذاب يتخلص عنه ، إما بالموت وإما بطريق آخر ، وأما
عذاب الآخرة فإنه يكون حاصرا للإنسان محيطا به لا رجاء في الخلاص عنه ، فهؤلاء الأقوام لهم من عذاب الدنيا ما وصفناه ويكون لهم بعد ذلك من عذاب الآخرة ما يكون محيطا بهم من جميع الجهات ولا يتخلصون منه أبدا .