المسألة الثالثة : احتج قوم بهذه الآية على بطلان
عذاب القبر ، قالوا : لأنه تعالى بين أنه يحييهم مرة في الدنيا وأخرى في الآخرة ولم يذكر حياة القبر ، ويؤكده قوله : (
ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) [ المؤمنون : 15 ، 16 ] ، ولم يذكر حياة فيما بين هاتين الحالتين ، قالوا : ولا يجوز الاستدلال بقوله تعالى : (
قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) [ غافر : 11 ] ، لأنه قول الكفار ، ولأن كثيرا من الناس أثبتوا حياة الذر في صلب
آدم - عليه السلام - حين استخرجهم وقال : (
ألست بربكم ) [ الأعراف : 172 ] وعلى هذا التقدير حصل حياتان وموتتان من غير حاجة إلى إثبات حياة في القبر ، فالجواب : لم يلزم من عدم الذكر في هذه الآية أن لا تكون حاصلة .
وأيضا فلقائل أن يقول : إن الله تعالى ذكر حياة القبر في هذه الآية ؛ لأن قوله : (
ثم يحييكم ) ليس هو الحياة الدائمة وإلا لما صح أن يقول : (
ثم إليه ترجعون ) لأن كلمة (ثم) تقتضي التراخي ، والرجوع إلى الله تعالى حاصل عقب الحياة الدائمة من غير تراخ ، فلو جعلنا الآية من هذا الوجه دليلا على حياة القبر كان قريبا .
المسألة الرابعة : قال
الحسن رحمه الله :
قوله : ( كيف تكفرون بالله ) يعني به العامة ، وأما بعض الناس فقد أماتهم ثلاث مرات نحو ما حكى في قوله : (
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ) [ البقرة : 259 ] ، إلى قوله : (
فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) [ البقرة : 259 ] ، وكقوله : (
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ) [ البقرة : 243 ] ، وكقوله : (
فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم ) [ البقرة : 55 ] وكقوله : (
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ) [ البقرة : 73 ] ، وكقوله : (
وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها ) [ الكهف : 21 ] ، وكقوله في قصة
أيوب - عليه السلام - : (
وآتيناه أهله ومثلهم معهم ) [ الأنبياء : 84 ] فإن الله تعالى رد عليه أهله بعدما أماتهم .