المسألة الثالثة : قوله : (
إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) فيه بحثان :
البحث الأول : أن العلوم إما مستفادة من الحواس ، أو من العقول .
أما القسم الأول : فإليه الإشارة بذكر السمع والبصر ، فإن الإنسان إذا سمع شيئا ورآه فإنه يرويه ويخبر عنه .
وأما القسم الثاني : فهو العلوم المستفادة من العقل وهي قسمان : البديهية والكسبية ، وإلى العلوم العقلية الإشارة بذكر الفؤاد .
البحث الثاني : ظاهر الآية يدل على أن هذه الجوارح مسئولة وفيه وجوه :
الوجه الأول : أن المراد أن صاحب السمع والبصر والفؤاد هو المسئول لأن السؤال لا يصح إلا ممن كان عاقلا ، وهذه الجوارح ليست كذلك ، بل العاقل الفاهم هو الإنسان ، فهو كقوله تعالى : (
واسأل القرية ) [ يوسف : 82 ] والمراد أهلها يقال له لم سمعت ما لا يحل لك سماعه ؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه ، ولم عزمت على ما لا يحل لك العزم عليه .
والوجه الثاني : أن تقرير الآية أن أولئك الأقوام كلهم مسئولون عن السمع والبصر والفؤاد فيقال لهم : استعملتم السمع في ماذا ؟ أفي الطاعة أو في المعصية ؟ وكذلك القول في بقية الأعضاء ، وذلك لأن هذه الحواس آلات النفس ، والنفس كالأمير لها والمستعمل لها في مصالحها فإن استعملتها النفس في الخيرات استوجبت الثواب ، وإن استعملتها في المعاصي استحقت العقاب .
[ ص: 169 ]
والوجه الثالث : أنه
ثبت بالقرآن أنه تعالى يخلق الحياة في الأعضاء ثم إنها تشهد على الإنسان والدليل عليه قوله تعالى : (
يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) [ النور : 24 ] ولذلك لا يبعد أن يخلق الحياة والعقل والنطق في هذه الأعضاء . ثم إنه تعالى يوجه السؤال عليها .