المسألة الثالثة : قال بعض الملحدة : هذه الآية تدل على أن
خلق الأرض قبل
خلق السماء ، وكذا قوله : (
أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) [ فصلت : 9 ] إلى قوله تعالى : (
ثم استوى إلى السماء ) ، وقال في سورة النازعات : (
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ) [ النازعات : 27 : 30 ] ، وهذا يقتضي أن يكون خلق الأرض بعد السماء ، وذكر العلماء في الجواب عنه وجوها :
أحدها : يجوز أن يكون خلق الأرض قبل خلق السماء إلا أنه ما دحاها حتى خلق السماء ؛ لأن التدحية هي البسط ، ولقائل أن يقول : هذا أمر مشكل من وجهين :
الأول : أن الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية ، وإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق السماء كان خلقها أيضا لا محالة متأخرا عن خلق السماء .
الثاني : أن
قوله تعالى : ( خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء ) يدل على أن خلق الأرض وخلق كل ما فيها متقدم على خلق السماء ، لكن خلق الأشياء في الأرض لا يمكن إلا إذا كانت مدحوة ، فهذه الآية تقتضي تقدم كونها مدحوة قبل خلق السماء وحينئذ يتحقق التناقض .
والجواب : أن قوله تعالى : (
والأرض بعد ذلك دحاها ) يقتضي تقديم خلق السماء على الأرض ولا يقتضي أن تكون تسوية السماء مقدمة على خلق الأرض ، وعلى هذا التقدير يزول التناقض ، ولقائل أن يقول : قوله تعالى : (
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها ) يقتضي أن يكون خلق السماء وتسويتها مقدما على تدحية الأرض ، ولكن تدحية الأرض ملازمة لخلق ذات الأرض ، فإن ذات السماء وتسويتها متقدمة على ذات الأرض ، وحينئذ يعود السؤال .
وثالثها : وهو الجواب الصحيح أن قوله : " ثم " ليس للترتيب ههنا وإنما هو على جهة تعديد النعم ، مثاله قول الرجل لغيره : أليس قد أعطيتك النعم العظيمة ثم رفعت قدرك ثم دفعت الخصوم عنك ، ولعل بعض ما أخره في الذكر قد تقدم ، فكذا ههنا والله أعلم .
المسألة الرابعة : الضمير في " فسواهن " ضمير مبهم ، وسبع سماوات تفسير له ، كقوله : ربه رجلا ، وفائدته أن المبهم إذا تبين كان أفخم وأعظم من أن يبين أولا ؛ لأنه إذا أبهم تشوفت النفوس إلى الاطلاع عليه ، وفي البيان
[ ص: 144 ] بعد ذلك شفاء لها بعد التشوف ، وقيل : الضمير راجع إلى السماء ، والسماء في معنى الجنس ، وقيل : جمع سماءة ، والوجه العربي هو الأول ، ومعنى تسويتهن تعديل خلقهن وإخلاؤه من العوج والفطور وإتمام خلقهن .