المسألة الرابعة : اختلف الناس في
زمان أصحاب الكهف وفي مكانهم ، أما الزمان الذي حصلوا فيه ، فقيل : إنهم كانوا قبل
موسى عليه السلام ، وأن
موسى ذكرهم في التوراة ، ولهذا السبب فإن
اليهود سألوا عنهم ، وقيل : إنهم دخلوا الكهف قبل
المسيح ، وأخبر
المسيح بخبرهم ، ثم بعثوا في الوقت الذي بين
عيسى عليه السلام وبين
محمد -صلى الله عليه وسلم- . وقيل : إنهم دخلوا الكهف بعد
المسيح ، وحكى
القفال هذا القول عن
nindex.php?page=showalam&ids=13114محمد بن إسحاق .
وقال قوم : إنهم لم يموتوا ولا يموتون إلى يوم القيامة . وأما مكان هذا الكهف ، فحكى
القفال عن
محمد بن موسى الخوارزمي المنجم أن
الواثق أنفذه -ليعرف حال أصحاب الكهف- إلى
الروم ، قال : فوجه ملك
الروم معي أقواما إلى الموضع الذي يقال : إنهم فيه ، قال : وإن الرجل الموكل بذلك الموضع فزعني من الدخول عليهم ، قال : فدخلت ورأيت الشعور على صدورهم ، قال : وعرفت أنه تمويه واحتيال ، وأن الناس كانوا قد عالجوا تلك الجثث بالأدوية المجففة لأبدان الموتى لتصونها عن البلى ، مثل التلطيخ بالصبر وغيره ، ثم قال
القفال : والذي عندنا لا يعرف أن ذلك الموضع هو موضع أصحاب الكهف أو موضع آخر ، والذي أخبر الله عنه وجب القطع به ، ولا عبرة بقول
أهل الروم : أن ذلك الموضع هو موضع أصحاب الكهف ، وذكر في الكشاف عن
معاوية أنه غزا
الروم ، فمر بالكهف ، فقال : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : ليس لك ذلك قد منع الله من هو خير منك ، فقال : لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : لا أنتهي حتى أعلم حالهم ، فبعث أناسا فقال لهم : اذهبوا فانظروا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأحرقتهم ، وأقول : العلم بذلك الزمان وبذلك المكان ليس للعقل فيه مجال ، وإنما يستفاد ذلك من نص ، وذلك مفقود فثبت أنه لا سبيل إليه .
[ ص: 97 ] المسألة الخامسة : اعلم أن مدار القول
بإثبات البعث والقيامة على أصول ثلاثة :
أحدها : أنه تعالى قادر على كل الممكنات .
والثاني : أنه تعالى عالم بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات .
وثالثها : أن كل ما كان ممكن الحصول في بعض الأوقات كان ممكن الحصول في سائر الأوقات ، فإذا ثبتت هذه الأصول الثلاثة ثبت القول بإمكان البعث والقيامة ، فكذلك ههنا ثبت أنه تعالى عالم قادر على الكل ، وثبت أن بقاء الإنسان حيا في النوم مدة يوم ممكن ، فكذلك بقاؤه مدة ثلاثمائة سنة يجب أن يكون ممكنا بمعنى أن إله العالم يحفظه ويصونه عن الآفة .
وأما الفلاسفة فإنهم يقولون أيضا : لا يبعد وقوع أشكال فلكية غريبة توجب في هيولي عالم الكون والفساد حصول أحوال غريبة نادرة ، وأقول : هذه السور الثلاثة المتعاقبة اشتمل كل واحد منها على حصول حالة عجيبة نادرة في هذا العالم ، فسورة
بني إسرائيل اشتملت على الإسراء بجسد
محمد -صلى الله عليه وسلم- من
مكة إلى
الشام وهو حالة عجيبة ، وهذه السورة اشتملت على بقاء القوم في النوم مدة ثلاثمائة سنة وأزيد ، وهو أيضا حالة عجيبة ، وسورة مريم اشتملت على حدوث الولد لا من الأب وهو أيضا حالة عجيبة ، والمعتمد في بيان إمكان كل هذه العجائب والغرائب المذكورة في هذه السور الثلاثة المتوالية هو الطريقة التي ذكرناها .
ومما يدل على أن هذا المعنى من الممكنات أن
nindex.php?page=showalam&ids=13251أبا علي ابن سينا ذكر في باب الزمان من كتاب الشفاء أن
أرسطاطاليس الحكيم ذكر أنه عرض لقوم من المتألهين حالة شبيهة بحالة أصحاب الكهف ، ثم قال
أبو علي : ويدل التاريخ على أنهم كانوا قبل أصحاب الكهف .