الصفة الثالثة : قوله : (
وجعلني نبيا ) قال بعضهم أخبر أنه نبي ولكنه ما كان رسولا ؛ لأنه في ذلك الوقت ما جاء بالشريعة ومعنى كونه نبيا أنه رفيع القدر على الدرجة وهذا ضعيف لأن
النبي في عرف الشرع هو الذي خصه الله بالنبوة وبالرسالة خصوصا إذا قرن إليه ذكر الشرع وهو قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة .
الصفة الرابعة : قوله : (
وجعلني مباركا أين ما كنت ) فلقائل أن يقول كيف جعله مباركا والناس كانوا قبله على الملة الصحيحة فلما جاء صار بعضهم يهودا وبعضهم نصارى قائلين بالتثليث ولم يبق على الحق إلا القليل ؟
والجواب ذكروا في " تفسير المبارك " وجوها :
أحدها : أن البركة في اللغة هي الثبات وأصله من بروك البعير فمعناه جعلني ثابتا على دين الله مستقرا عليه .
وثانيها : أنه إنما كان مباركا ؛ لأنه كان يعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى طريق الحق فإن ضلوا فمن قبل أنفسهم لا من قبله
وروى الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : أسلمت أم عيسى عليها السلام عيسى إلى الكتاب فقالت للمعلم : أدفعه إليك على أن لا تضربه فقال له المعلم : اكتب فقال : أي شيء أكتب ، فقال : اكتب أبجد فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال : هل تدري ما أبجد ؟ فعلاه بالدرة ليضربه فقال : يا مؤدب لا تضربني ؛ إن كنت لا تدري ؛ فاسألني ، فأنا أعلمك : الألف من آلاء الله والباء من بهاء الله والجيم من جمال الله والدال من أداء الحق إلى الله .
وثالثها : البركة الزيادة والعلو فكأنه قال : جعلني في جميع الأحوال غالبا مفلحا منجحا لأني ما دمت أبقى في الدنيا أكون على الغير مستعليا بالحجة فإذا جاء الوقت المعلوم يكرمني الله تعالى بالرفع إلى السماء .
ورابعها : مبارك على الناس بحيث يحصل بسبب دعائي إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، عن
قتادة أنه رأته امرأة وهو يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فقالت : طوبى لبطن حملك وثدي أرضعت به ، فقال
عيسى عليه السلام مجيبا لها : طوبى لمن تلا كتاب الله واتبع ما فيه ولم يكن جبارا شقيا .
أما قوله : (
أين ما كنت ) فهو يدل على أن حاله لم يتغير كما قيل إنه عاد إلى حال الصغر وزوال التكليف .