(
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ) .
قوله تعالى : (
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ) .
اعلم أنه تعالى لما وصف هؤلاء الأنبياء بصفات المدح ترغيبا لنا في التأسي بطريقتهم ذكر بعدهم من هو بالضد منهم فقال : فخلف من بعدهم خلف ، وظاهر الكلام أن المراد من بعد هؤلاء الأنبياء خلف من أولادهم يقال : خلفه إذا أعقبه ثم قيل في عقب الخير خلف بفتح اللام وفي عقب الشر خلف بالسكون ، كما قالوا : وعد في ضمان الخير ووعيد في ضمان الشر وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013167في الله خلف من كل هالك " وفي الشعر
للبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
ثم وصفهم بإضاعة الصلاة واتباع الشهوات فإضاعة الصلاة في مقابلة قوله : (
خروا سجدا ) واتباع الشهوات في مقابلة قوله : (
وبكيا ) ؛ لأن بكاءهم يدل على خوفهم واتباع هؤلاء لشهواتهم يدل على عدم الخوف لهم وظاهر قوله : (
أضاعوا الصلاة ) تركوها لكن تركها قد يكون بأن لا تفعل أصلا ، وقد يكون بأن لا تفعل في وقتها ، وإن كان الأظهر هو الأول ، وأما اتباع الشهوات فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - هم
اليهود تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمر واستحلوا نكاح الأخت من الأب واحتج بعضهم بقوله : (
إلا من تاب وآمن ) على أن
تارك الصلاة كافر ، واحتج أصحابنا بها في أن
الإيمان غير العمل ؛ لأنه تعالى قال : (
وآمن وعمل صالحا ) فعطف العمل على الإيمان والمعطوف غير المعطوف عليه ، أجاب
الكعبي عنه : بأنه تعالى
فرق بين التوبة والإيمان ، والتوبة من الإيمان فكذلك العمل الصالح يكون من الإيمان وإن فرق بينهما ، وهذا الجواب ضعيف ؛ لأن عطف الإيمان على التوبة يقتضي وقوع المغايرة بينهما ؛ لأن التوبة عزم على الترك والإيمان إقرار بالله تعالى وهما متغايران ، فكذا في هذه الصورة . ثم بين تعالى أن من هذه صفته (
يلقون غيا ) وذكروا في الغي وجوها :
أحدها : أن كل شر عند العرب غي ، وكل خير رشاد ، قال الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وثانيها : قال
الزجاج : "
يلقون غيا " أي يلقون جزاء الغي ، كقوله تعالى : (
يلق أثاما ) [ الفرقان : 68 ] أي مجازاة الآثام .
وثالثها : غيا عن طريق الجنة .
ورابعها :
الغي واد في جهنم يستعيذ منه أوديتها والوجهان الأولان أقرب فإن كان في جهنم موضع يسمى بذلك جاز ، ولا يخرج من أن يكون المراد ما قدمنا ؛ لأنه المعقول في اللغة ، ثم بين سبحانه أن هذا الوعيد فيمن لم يتب ، وأما من تاب وآمن وعمل صالحا فلهم الجنة لا
[ ص: 202 ] يلحقهم ظلم ، وههنا سؤالان :
الأول : الاستثناء دل على أنه لا بد من التوبة والإيمان والعمل الصالح ، وليس الأمر كذلك ؛ لأن من تاب عن كفره ولم يدخل وقت الصلاة ، أو كانت المرأة حائضا فإنه لا يجب عليها الصلاة ، والزكاة أيضا غير واجبة وكذا الصوم ، فههنا لو مات في ذلك الوقت كان من أهل النجاة مع أنه لم يصدر عنه عمل فلم يجز
توقف الأجر على العمل الصالح ، والجواب : أن هذه الصورة نادرة ، والمراد منه الغالب .
السؤال الثاني : قوله : (
ولا يظلمون شيئا ) هذا إنما يصح لو كان الثواب مستحقا على العمل ؛ لأنه لو كان الكل بالتفضل لاستحال حصول الظلم ، لكن من مذهبكم أنه لا استحقاق للعبد بعمله إلا بالوعد . الجواب : أنه لما أشبهه أجري على حكمه .