أما قوله : (
ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين ) قرئ ننجي وننجي وينجى على ما لم يسم فاعله ، قال القاضي : الآية دالة على قولنا في الوعيد ؛ لأن الله تعالى بين أن الكل يردونها ثم بين صفة من ينجو وهم المتقون والفاسق لا يكون متقيا ، ثم بين تعالى أن من عدا المتقين يذرهم فيها جثيا فثبت أن الفاسق يبقى في النار أبدا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
المتقي هو الذي اتقى الشرك بقول لا إله إلا الله ، واعلم أن الذي قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هو الحق الذي يشهد الدليل بصحته ؛ وذلك لأن من آمن بالله وبرسله صح أن يقال : إنه متق عن الشرك ومن صدق عليه أنه متق عن الشرك صدق عليه أنه متق ؛ لأن المتقي جزء من المتقي عن الشرك ومن صدق عليه المركب صدق عليه المفرد ، فثبت أن صاحب الكبيرة متق ، وإذا ثبت ذلك وجب أن يخرج من النار ؛ لعموم قوله : (
ثم ننجي الذين اتقوا ) فصارت هذه الآية التي توهموها دليلا من أقوى الدلائل على فساد قولهم . قال القاضي : وتدل الآية أيضا ، على فساد قول من يقول : إن من المكلفين من لا يكون في الجنة ولا في النار ، قلنا : هذا ضعيف ؛ لأن الآية تدل على أنه تعالى ينجي الذين اتقوا وليس فيها ما يدل على أنه ينجيهم إلى الجنة ، ثم هب أنها تدل على ذلك ، ولكن الآية تدل على أن المتقين يكونون في الجنة والظالمين يبقون في النار ، فيبقى ههنا قسم ثالث خارج عن القسمين : وهو الذي استوت طاعته ومعصيته فتسقط كل واحدة منهما بالأخرى ، فيبقى لا مطيعا ولا عاصيا ، فهذا القسم إن بطل فإنما يبطل بشيء سوى هذه الآية فلا تكون هذه الآية دالة على الحصر الذي ادعاه . ومن
المعتزلة من تمسك في الوعيد بقوله :
[ ص: 210 ] (
ونذر الظالمين فيها جثيا ) ولفظ الظالمين لفظ جمع دخل عليه حرف التعريف ؛ فيفيد العموم ، والكلام على التمسك بصيغ العموم قد تقدم مرارا كثيرة في هذا الكتاب . أما قوله : (
جثيا ) قال صاحب " الكشاف " قوله : (
ونذر الظالمين فيها جثيا ) دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن
المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد نجاتهم ويبقى الكفرة في مكانهم جاثين .