المسألة الثالثة : الواو في (
ونحن ) للحال كما تقول : أتحسن إلى فلان وأنا أحق بالإحسان ، والتسبيح تبعيد الله تعالى من السوء وكذا التقديس ، من سبح في الماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد ، واعلم أن التبعيد إن أريد به التبعيد عن السوء فهو التسبيح ، وإن أريد به التبعيد عن الخيرات فهو اللعن ، فنقول : التبعيد عن السوء يدخل فيه التبعيد عن السوء في الذات والصفات والأفعال ، أما في الذات فأن لا تكون محلا للإمكان ، فإن منع السوء وإمكانه هو العدم ، ونفي الإمكان يستلزم نفي الكثرة ، ونفيها يستلزم نفي الجسمية والعرضية ، ونفي الضد والند ، وحصول الوحدة المطلقة ، والوجوب الذاتي ، وأما في الصفات فأن يكون منزها عن الجهل فيكون محيطا بكل المعلومات ، وقادرا على كل المقدورات ، وتكون صفاته منزهة عن التغييرات ، وأما في الأفعال فأن لا تكون أفعاله لجلب المنافع ودفع المضار ، وأن لا يستكمل بشيء منها ، ولا ينتقص بعدم شيء منها ، فيكون مستغنيا عن كل الموجودات والمعدومات ، مستوليا بالإعدام والإيجاد على كل الموجودات والمعدومات ، وقال أهل التذكير :
التسبيح جاء تارة في القرآن بمعنى التنزيه وأخرى بمعنى التعجب .
أما الأول فجاء على وجوه :
( أ ) أنا
المنزه عن النظير والشريك ، هو الله الواحد القهار .
( ب ) أنا المدبر للسماوات والأرض سبحان رب السماوات والأرض .
( ج ) أنا المدبر لكل العالمين سبحان الله رب العالمين .
( د ) أنا المنزه عن قول الظالمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون .
( ه ) أنا المستغني عن الكل سبحانه هو الغني .
( و ) أنا السلطان الذي كل شيء سوائي فهو تحت قهري وتسخيري ، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء .
( ز ) أنا العالم بكل شيء ، سبحان الله عما يصفون عالم الغيب .
( ح ) أنا المنزه عن الصاحبة والولد سبحانه أنى يكون له ولد .
( ط ) أنا المنزه عن وصفهم وقولهم ، سبحانه وتعالى عما يشركون ، عما يقولون ، عما يصفون .
أما التعجب فكذلك :
( أ ) أنا الذي سخرت البهائم القوية للبشر الضعيف ، سبحان الذي سخر لنا هذا .
( ب ) أنا الذي خلقت العالم وكنت منزها عن التعب والنصب ، سبحانه إذا قضى أمرا .
( ج ) أنا الذي أعلم لا بتعليم المعلمين ولا بإرشاد المرشدين ، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا .
( د ) أنا الذي أزيل معصية سبعين سنة بتوبة ساعة ، فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ، ثم يقول : إن أردت رضوان الله فسبح ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، وإن أردت الفرج من البلاء فسبح ، لا إله أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، وإن أردت رضا الحق فسبح : ومن الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ، وإن أردت الخلاص من النار فسبح ، سبحانك فقنا عذاب النار ، أيها العبد واظب على تسبيحي ، فسبحان الله فسبح وسبحوه ، فإن لم تفعل تسبيحي فالضرر عائد إليك ؛ لأن لي من يسبحني ، ومنهم حملة العرش (
فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون ) [فصلت : 38] ومنهم المقربون (
قالوا سبحانك أنت ولينا ) [سبأ : 41] ، ومنهم سائر الملائكة (
قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ) [الفرقان : 18] ومنهم الأنبياء كما قال ذو النون : (
لا إله إلا أنت سبحانك ) [الأنبياء : 87] وقال موسى : (
سبحانك تبت إليك ) [الأعراف : 143] والصحابة يسبحون في قوله : (
سبحانك فقنا عذاب النار ) [آل عمران : 191] والكل يسبحون ومنهم الحشرات والدواب والذرات (
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [الإسراء : 44] وكذا الحجر والمدر والرمال والجبال والليل والنهار والظلمات والأنوار والجنة والنار والزمان والمكان والعناصر والأركان والأرواح والأجسام على ما قال : (
سبح لله ما في السماوات ) [الحديد : 1] ثم يقول :
[ ص: 159 ] أيها العبد : أنا الغني عن تسبيح هذه الأشياء ، وهذه الأشياء ليست من الأحياء ، فلا حاجة بها إلى ثواب هذا التسبيح ، فقد صار ثواب هذه التسبيحات ضائعا وذلك لا يليق بي (
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) [ص : 27] لكني أوصل ثواب هذه الأشياء إليك ليعرف كل أحد أن من اجتهد في خدمتي أجعل كل العالم في خدمته .
والنكتة الأخرى اذكرني بالعبودية لتنتفع به لا أنا (
سبحان ربك رب العزة ) [الصافات : 180] فإنك إذا ذكرتني بالتسبيح طهرتك عن المعاصي (
وسبحوه بكرة وأصيلا ) [الأحزاب : 42] أقرضني (
وأقرضوا الله قرضا حسنا ) [الحديد : 18] وإن كنت أنا الغني حتى أرد الواحد عليك عشرة (
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) [الحديد : 11] كن معينا لي وإن كنت غنيا عن إعانتك (
ولله جنود السماوات والأرض ) [الفتح : 4] وأيضا فلا حاجة بي إلى العسكر (
ولو يشاء الله لانتصر منهم ) [محمد : 4] لكنك إذا نصرتني نصرتك (
إن تنصروا الله ينصركم ) [محمد : 7] كن مواظبا على ذكري (
واذكروا الله في أيام معدودات ) [البقرة : 203] ولا حاجة بي إلى ذكرك ؛ لأن الكل يذكروني (
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [لقمان : 25] لكنك إذا ذكرتني ذكرتك (
فاذكروني أذكركم ) [البقرة : 152] اخدمني : (
ياأيها الناس اعبدوا ربكم ) [البقرة : 21] لا لأني أحتاج إلى خدمتك فإني أنا الملك (
ولله ملك السماوات والأرض ) [آل عمران : 189] . (
ولله يسجد من في السماوات والأرض ) [الرعد : 15] ولكن انصرف إلى خدمتي هذه الأيام القليلة لتنال الراحات الكثيرة (
قل الله ثم ذرهم ) [الأنعام : 91] .