صفحة جزء
أما قوله تعالى : ( سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) فقد اختلفوا في المراد بالآيات على أقوال : أحدها : أنه هي الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة ، ولذلك قال : ( فلا تستعجلون ) أي أنها ستأتي لا محالة في وقتها . وثانيها : أنها أدلة التوحيد وصدق الرسول . وثالثها : أنها آثار القرون الماضية بالشام واليمن والأول أقرب إلى النظم .

أما قوله تعالى : ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) فاعلم أن هذا هو الاستعجال المذموم المذكور على سبيل الاستهزاء وهو كقوله : ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب ) [العنكبوت : 53] فبين تعالى أنهم يقولون ذلك لجهلهم وغفلتهم ، ثم إنه سبحانه ذكر في رفع هذا الحزن عن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهين : الأول : بأن بين ما لصاحب هذا الاستهزاء من العقاب الشديد فقال : ( لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ) قال صاحب " الكشاف " : جواب لو محذوف وحين مفعول به ليعلم أي لو يعلمون الوقت الذي يسألون عنه بقولهم : ( متى هذا الوعد ) وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من قدام ومن خلف فلا يقدرون على دفعها عن أنفسهم ولا يجدون أيضا ناصرا ينصرهم لقوله تعالى : ( فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ) [غافر : 29] لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم به هو الذي هونه عليهم وإنما حسن حذف الجواب لأن ما تقدم يدل عليه . وهذا أبلغ ومثله : ( ولو يرى الذين ظلموا ) [البقرة : 165] ، ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا ) [الأنفال : 50] ، ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) [الرعد : 31] وإنما خص الوجوه والظهور لأن مس العذاب لهما أعظم موقعا ولكثرة ما يستعمل ذكرهما في دفع المضرة عن النفس ، ثم إنه تعالى لما بين شدة هذا العذاب بين أن وقت مجيئه غير معلوم لهم بل تأتيهم الساعة بغتة وهم لها غير محتسبين ولا لأمرها مستعدين فتبهتهم أي تدعهم حائرين واقفين لا يستطيعون حيلة في ردها ولا عما يأتيهم منها مصرفا ، ولا هم ينظرون أي لا يمهلون لتوبة ولا معذرة .

واعلم أن الله تعالى إنما لم يعلم المكلفين وقت الموت والقيامة لما فيه من المصلحة ؛ لأن المرء مع كتمان ذلك أشد حذرا وأقرب إلى التلافي ، ثم إنه سبحانه ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب رسوله فقال : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) [ ص: 150 ] والمعنى ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) يا محمد كما استهزأ بك قومك ( فحاق ) أي نزل وأحاط ( بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) أي عقوبة استهزائهم ، وحاق وحق بمعنى كزال وزل وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية