(
إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون )
قوله تعالى : (
إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون )
قال صاحب " الكشاف " : الأمة الملة ، وهو إشارة إلى ملة الإسلام ، أي أن
ملة الإسلام هي ملتكم التي [ ص: 190 ] يجب أن تكونوا عليها ، يشار إليها بملة واحدة غير مختلفة ، وأنا إلهكم إله واحد فاعبدون ؛ ونصب
الحسن : " أمتكم " على البدل من هذه ، ورفع " أمة" خبرا ، وعنه رفعهما جميعا خبرين ، أو نوى للثاني المبتدأ .
أما قوله تعالى : (
وتقطعوا أمرهم بينهم ) والأصل " وتقطعتم " إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة على طريق الالتفات ؛ كأنه ينقل عنهم ما أفسدوه إلى آخرين ، ويقبح عندهم فعلهم ، ويقول لهم : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء ، والمعنى جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا ، كما تتوزع الجماعة الشيء ويقسمونه فيصير لهذا نصيب ولذلك نصيب تمثيلا لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقا وأحزابا شتى .
أما قوله تعالى : (
كل إلينا راجعون ) فقد توعدهم بأن هؤلاء
الفرق المختلفة إليه يرجعون ، فهو محاسبهم ومجازيهم ، وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013257تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة ؛ فهلكت سبعون وخلصت فرقة ، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ؛ فتهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة واحدة ، قالوا : يا رسول الله ، من تلك الفرقة الناجية ؟ قال : الجماعة ، الجماعة ، الجماعة فتبين بهذا الخبر أن المراد بقوله تعالى : (
وإن هذه أمتكم ) الجماعة المتمسكة بما بينه الله تعالى في هذه السورة من التوحيد والنبوات ، وأن في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الناجية : إنها الجماعة ، إشارة إلى أن هذه أشار بها إلى أمة الإيمان ، وإلا كان قوله في تعريف
الفرقة الناجية إنها الجماعة لغوا ، إذ لا فرقة تمسكت بباطل أو بحق إلا وهي جماعة من حيث العدد ، وطعن بعضهم في صحة هذا الخبر ، فقال : إن أراد بالثنتين والسبعين فرقة أصول الأديان فلم يبلغ هذا القدر ، وإن أراد الفروع فإنها تتجاوز هذا القدر إلى أضعاف ذلك ، وقيل أيضا : قد روي ضد ذلك ، وهو أنها كلها ناجية إلا فرقة واحدة ؛ والجواب : المراد ستفترق أمتي في حال ما وليس فيه دلالة على افتراقها في سائر الأحوال ؛ لا يجوز أن يزيد وينقص .