أما قوله تعالى : (
يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : اختلفوا في تفسيره على وجهين :
أحدهما : أن المراد رؤساؤهم الذين كانوا يفزعون إليهم لأنه يصح منهم أن يضروا ، وحجة هذا القول أن الله تعالى بين في الآية الأولى أن الأوثان لا تضرهم ولا تنفعهم ، وهذه الآية تقتضي كون المذكور فيها ضارا نافعا ، فلو كان المذكور في هذه الآية هو الأوثان لزم التناقض .
القول الثاني : أن المراد الوثن وأجابوا عن التناقض بأمور : أحدها : أنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها ولكن عبادتها سبب الضرر وذلك يكفي في إضافة الضرر إليها ، كقوله تعالى : (
رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) [ إبراهيم : 36 ] فأضاف الإضلال إليهم من حيث كانوا سببا للضلال ، فكذا هاهنا نفى الضرر عنهم في الآية الأولى بمعنى كونها فاعلة وأضاف الضرر إليهم في هذه الآية بمعنى أن عبادتها سبب الضرر . وثانيها : كأنه سبحانه وتعالى بين في الآية الأولى أنها في الحقيقة لا تضر ولا تنفع ، ثم قال في الآية الثانية : لو سلمنا كونها ضارة نافعة لكن ضررها أكثر من نفعها . وثالثها : كان الكفار إذا أنصفوا علموا أنه لا يحصل منها نفع ولا ضرر في الدنيا ، ثم إنهم في الآخرة يشاهدون العذاب العظيم بسبب عبادتها ، فكأنهم يقولون لها في الآخرة : إن ضرركم أعظم من نفعكم .
المسألة الثانية : اختلف النحويون في
إعراب قوله : ( لمن ضره أقرب ) .
أما قوله : (
لبئس المولى ولبئس العشير ) فالمولى : هو الولي والناصر ، والعشير : الصاحب والمعاشر ، واعلم أن هذا الوصف بالرؤساء أليق ؛ لأن ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان ، فبين تعالى أنهم يعدلون عن عبادة الله تعالى الذي يجمع خير الدنيا والآخرة إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء ، ثم ذم الرؤساء بقوله : (
لبئس المولى ) والمراد ذم من انتصر بهم والتجأ إليهم .