أما قوله تعالى : (
ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله ) فالمعنى شرعنا لكل أمة من الأمم السالفة من عهد
إبراهيم عليه السلام إلى من بعده ضربا من القربان ، وجعل العلة في ذلك أن يذكروا اسم الله تقدست أسماؤه على المناسك ، وما كانت العرب تذبحه للصنم يسمى العتر والعتيرة كالذبح والذبيحة ، وقرأ
أهل الكوفة إلا
عاصما : " منسكا " بكسر السين ، وقرأ الباقون بالفتح وهو مصدر بمعنى النسك ، والمكسور بمعنى الموضع .
[ ص: 31 ] أما قوله تعالى : (
فإلهكم إله واحد ) ففي كيفية النظم وجهان :
أحدهما : أن
الإله واحد وإنما اختلفت التكاليف باختلاف الأزمنة والأشخاص لاختلاف المصالح .
الثاني : (
فإلهكم إله واحد ) فلا تذكروا على ذبائحكم غير اسم الله (
فله أسلموا ) أي أخلصوا له الذكر خاصة بحيث لا يشوبه إشراك البتة ، والمراد الانقياد لله تعالى في جميع تكاليفه ، ومن انقاد له كان مخبتا ، فلذلك قال بعده : (
وبشر المخبتين ) والمخبت : المتواضع الخاشع . قال
أبو مسلم :
حقيقة المخبت من صار في خبت من الأرض ، يقال : أخبت الرجل إذا صار في الخبت . كما يقال : أنجد وأشأم وأتهم ، والخبت هو المطمئن من الأرض . وللمفسرين فيه عبارات ، أحدها : المخبتين المتواضعين عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقتادة . وثانيها : المجتهدين في العبادة عن
الكلبي . وثالثها : المخلصين عن
مقاتل . ورابعها : المطمئنين إلى ذكر الله تعالى والصالحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . وخامسها : هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا عن
عمرو بن أوس .
ثم وصفهم الله تعالى بقوله : (
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) فيظهر عليهم الخوف من عقاب الله تعالى والخشوع والتواضع لله ، ثم لذلك الوجل أثران أحدهما : الصبر على المكاره ، وذلك هو المراد بقوله : (
والصابرين على ما أصابهم ) وعلى ما يكون من قبل الله تعالى ؛ لأنه الذي يجب الصبر عليه كالأمراض والمحن والمصائب . فأما ما يصيبهم من قبل الظلمة فالصبر عليه غير واجب بل إن أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ولو بالمقاتلة . والثاني : الاشتغال بالخدمة وأعز الأشياء عند الإنسان نفسه وماله . أما الخدمة بالنفس فهي الصلاة ، وهو المراد بقوله : (
والمقيمي الصلاة ) وأما الخدمة بالمال فهو المراد من قوله : (
ومما رزقناهم ينفقون ) قرأ
الحسن : " والمقيمي الصلاة " بالنصب على تقدير النون ، وقرأ
ابن مسعود : والمقيمين الصلاة على الأصل .