المسألة الثالثة : يرجع حاصل البحث إلى أن الغرض من هذه الآية بيان أن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى وإن عصمهم عن الخطأ مع العلم ، فلم يعصمهم من جواز
السهو ووسوسة الشيطان ، بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر ، فالواجب أن لا يتبعوا إلا فيما يفعلونه عن علم فذلك هو المحكم ، وقال
أبو مسلم : معنى الآية أنه لم يرسل نبيا إلا إذا تمنى . كأنه قيل : وما أرسلنا إلى البشر ملكا وما أرسلنا إليهم نبيا إلا منهم ، وما أرسلنا نبيا خلا عند تلاوته الوحي من وسوسة الشيطان ، وأن يلقي في خاطره ما يضاد الوحي ويشغله عن حفظه فيثبت الله النبي على الوحي وعلى حفظه ويعلمه صواب ذلك وبطلان ما يكون من الشيطان ، قال : وفيما تقدم من قوله : (
قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ) [ الحج : 49 ] تقوية لهذا التأويل ، فكأنه تعالى أمره أن يقول للكافرين : أنا نذير لكم لكني من البشر لا من الملائكة ، ولم يرسل الله تعالى مثلي ملكا بل أرسل رجالا فقد وسوس الشيطان إليهم ، فإن قيل : هذا إنما يصح لو كان السهو لا يجوز على الملائكة ، قلنا : إذا كانت الملائكة أعظم درجة من الأنبياء لم يلزم من استيلائهم بالوسوسة على الأنبياء استيلاؤهم بالوسوسة على الملائكة .