(
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور )
قوله تعالى : (
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ) .
اعلم أنه سبحانه لما قدم ما يتعلق بالإلهيات ذكر هاهنا ما يتعلق بالنبوات ، قال
مقاتل : قال
الوليد بن المغيرة : أأنزل عليه الذكر من بيننا ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهاهنا سؤالان :
السؤال الأول : كلمة " من " للتبعيض فقوله : (
الله يصطفي من الملائكة رسلا ) [ فاطر : 1 ] يقتضي أن تكون الرسل بعضهم لا كلهم ، وقوله : (
جاعل الملائكة رسلا ) يقتضي كون كلهم رسلا فوقع التناقض . والجواب : جاز أن يكون المذكور هاهنا من كان رسلا إلى بني آدم ، وهم أكابر الملائكة
كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والحفظة صلوات الله عليهم ، وأما كل الملائكة فبعضهم رسل إلى البعض فزال التناقض .
السؤال الثاني : قال في سورة الزمر : (
لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ) [ الزمر : 4 ] فدل على أن ولده يجب أن يكون مصطفى ، وهذه الآية دلت على أن
بعض الملائكة وبعض الناس من المصطفين ، فيلزم بمجموع الآيتين إثبات الولد . والجواب : أن قوله : (
لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى ) يدل على أن كل ولد مصطفى ، ولا يدل على أن كل مصطفى ولد ، فلا يلزم من دلالة هذه الآية على وجود مصطفى كونه ولدا ، وفي هذه الآية وجه آخر ، وهو أن المراد
تبكيت من عبد غير الله تعالى من الملائكة ، كأنه سبحانه أبطل في الآية الأولى قول عبدة الأوثان . وفي هذه الآية أبطل قول عبدة الملائكة ، فبين أن
علو درجة [ ص: 62 ] الملائكة ليس لكونهم آلهة ، بل لأن الله تعالى اصطفاهم لمكان عبادتهم ، فكأنه تعالى بين أنهم ما قدروا الله حق قدره أن جعلوا الملائكة معبودين مع الله ، ثم بين سبحانه بقوله : (
إن الله سميع بصير ) أنه يسمع ما يقولون ويرى ما يفعلون ، ولذلك أتبعه بقوله : (
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) فقال بعضهم : ما تقدم في الدنيا وما تأخر . وقال بعضهم : (
ما بين أيديهم ) أمر الآخرة ، (
وما خلفهم ) أمر الدنيا ، ثم أتبعه بقوله : (
وإلى الله ترجع الأمور ) فقوله : (
يعلم ما بين أيديهم ) إشارة إلى العلم التام وقوله : (
وإلى الله ترجع الأمور ) إشارة إلى القدرة التامة والتفرد بالإلهية والحكم ، ومجموعهما يتضمن نهاية الزجر عن الإقدام على المعصية .