الصفة السادسة: قوله تعالى : (
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) قرأ
نافع وابن كثير (لأمانتهم) واعلم أنه يسمى الشيء المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهدا، ومنه قوله تعالى : (
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) [النساء: 58] وقال: (
وتخونوا أماناتكم ) [الأنفال: 27] وإنما تؤدى العيون دون المعاني، فكان المؤتمن عليه الأمانة في نفسها. والعهد ما عقده على نفسه فيما يقربه إلى ربه، ويقع أيضا على ما أمر الله تعالى به كقوله: (
الذين قالوا إن الله عهد إلينا ) [آل عمران : 183] والراعي : القائم على الشيء لحفظ وإصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية، ويقال: من راعي هذا الشيء؟ أي: متوليه. واعلم أن
الأمانة تتناول كل ما تركه يكون داخلا في الخيانة، وقد قال تعالى : (
ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ) [الأنفال: 27] فمن ذلك العبادات التي المرء مؤتمن عليها، وكل العبادات تدخل في ذلك; لأنها إما أن تخفى أصلا كالصوم وغسل الجنابة وإسباغ الوضوء, أو تخفى كيفية إتيانه بها، وقال عليه السلام : "
أعظم الناس خيانة من لم يتم صلاته " وعن
ابن مسعود رضي الله عنه : "
أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة " ومن جملة ذلك ما يلتزمه بفعل أو قول، فيلزمه الوفاء به كالودائع والعقود وما يتصل بهما. ومن ذلك
[ ص: 72 ] الأقوال التي يحرر بها العبيد والنساء; لأنه مؤتمن في ذلك، ومن ذلك أن يراعي أمانته فلا يفسدها بغصب أو غيره، وأما العهد فإنه دخل فيه العقود والأيمان والنذور، فبين سبحانه أن مراعاة هذه الأمور والقيام بها معتبر في حصول الفلاح.