القصة الخامسة - قصة
عيسى وقصة
مريم عليهما السلام
(
وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين )
قوله تعالى : (
وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين )
اعلم أن
ابن مريم هو
عيسى عليه السلام ، جعله الله تعالى آية بأن خلقه من غير ذكر، وأنطقه في المهد في الصغر، وأجرى على يديه إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وأما
مريم فقد جعلها الله تعالى آية; لأنها حملته من غير ذكر. وقال
الحسن : تكلمت
مريم في صغرها كما تكلم
عيسى عليه السلام ، وهو قولها: (
هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) [آل عمران : 37] ولم تلقم ثديا قط، قال القاضي: إن ثبت ذلك فهو معجزة
لزكريا عليه السلام ; لأنها لم تكن نبية، قلنا: القاضي إنما قال ذلك لأن عنده الإرهاص غير جائز
وكرامات الأولياء غير جائزة، وعندنا هما جائزان فلا حاجة إلى ما قال، والأقرب أنه جعلهما آية بنفس الولادة; لأنه ولد من غير ذكر, وولدته من دون ذكر فاشتركا جميعا في هذا الأمر العجيب الخارق للعادة، والذي يدل على أن هذا التفسير أولى وجهان.
أحدهما: أنه تعالى قال: (
وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) لأن نفس الإعجاز ظهر فيهما لا أنه ظهر على يدهما، وهذا أولى من أن يحمل على الآيات التي ظهرت على يده نحو إحياء الموتى; وذلك لأن الولادة فيه وفيها آية فيهما، وكذلك أن نطقه في المهد وما عدا ذلك من الآيات ظهر على يده لا أنه آية فيه.
الثاني: أنه تعالى قال: (آية) ولم يقل : آيتين، وحمل هذا اللفظ على الأمر الذي لا يتم إلا بمجموعهما أولى ، وذلك هو أمر الولادة لا المعجزات التي كان
عيسى عليه السلام مستقلا بها.
أما قوله تعالى : (
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ) أي: جعلنا مأواهما الربوة, والربوة والرباوة في راءيهما الحركات الثلاث ، وهي الأرض المرتفعة، ثم قال
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية: هي
إيلياء أرض
بيت المقدس، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه : إنها
الرملة . وقال
الكلبي وابن زيد : هي
بمصر . وقال الأكثرون: إنها
دمشق . وقال
مقاتل والضحاك : هي
غوطة دمشق . والقرار : المستقر من [كل] أرض مستوية مبسوطة، وعن
قتادة : ذات ثمار وماء، يعني أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها، والمعين : الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض، فنبه سبحانه على كمال نعمه عليها بهذا اللفظ على اختصاره. ثم في المعين قولان، أحدهما: أنه مفعول؛ لأنه لظهوره يدرك بالعين ، من عانه : إذا أدركه بعينه، وقال
الفراء والزجاج : إن شئت جعلته فعيلا من الماعون، ويكون أصله من المعن ، والماعون : فاعول منه، قال
أبو علي : والمعين : السهل الذي ينقاد ولا يتعاصى، والماعون : ما سهل على معطيه، ثم قالوا: وسبب الإيواء أنها فرت بابنها
عيسى إلى الربوة وبقيت بها اثنتي عشرة سنة ، وإنما ذهب بهما ابن عمها
يوسف ثم رجعت إلى أهلها بعد أن مات ملكهم، وهاهنا آخر القصص ، والله أعلم.