المسألة الرابعة : إذا
مات في الحد يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ، فهذا ما أردنا ذكره من بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه الآية .
أما المباحث العقلية : فاعلم أن من الناس من قال : لا شك أن البدن مركب من أجزاء كثيرة ، فإما أن يقوم بكل جزء حياة وعلم وقدرة على حدة . أو يقوم بكل الأجزاء حياة واحدة وعلم واحد وقدرة واحدة ، والثاني محال لاستحالة قيام العرض الواحد بالمحال الكثيرة فتعين الأول ، وإذا كان كذلك كان كل جزء من أجزاء البدن حيا على حدة وعالما على حدة وقادرا على حدة ، وإذا ثبت هذا فنقول : الزاني هو الفرج لا الظهر ، فكيف يحسن من الحكيم أن يأمر بجلد الظهر ، ولأنه ربما كان الإنسان حال إقدامه على الزنا عجيفا نحيفا ثم يسمن بعد ذلك فكيف يجوز إيلام تلك الأجزاء الزائدة مع أنها كانت بريئة عن فعل الزنا ، فإن قال قائل هذا مدفوع من وجهين :
الأول : وهو أنه ليس كل واحد من أجزاء البدن فاعلا على حدة وحيا على حدة وذلك محال ، بل الحياة والعلم والقدرة تقوم بالجزء الواحد ثم توجب حكم الحيية والعالمية والقادرية لمجموع الأجزاء ، فيكون المجموع حيا واحدا عالما واحدا قادرا واحدا ، وعلى هذا التقدير يزول السؤال .
الثاني : أن يقال الذي هو الفاعل والمحرك والمدرك شيء ليس بجسم ولا جسماني . وإنما هو مدبر لهذا البدن ، وعلى هذا التقدير أيضا يزول السؤال ، والجواب : أما الأول فضعيف ، وذلك لأن العلم إذا قام بجزء واحد ، فإما أن يحصل بمجموع الأجزاء عالمية واحدة فيلزم قيام الصفة الواحدة بالمحال الكثيرة وهو محال ، أو يقوم بكل جزء عالمية على حدة فيعود المحذور المذكور ، وأما الثاني ففي نهاية البعد لأنه إذا كان الفاعل للقبيح هو ذلك المباين فلم يضرب هذا الجسد ؟ واعلم أن
المقصود من أحكام الشرع رعاية المصالح ، ونحن نعلم أن
[ ص: 130 ] شرع الحد يفيد الزجر ، فكان المقصود حاصلا والله أعلم .