(
والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم )
الحكم التاسع : في الكتابة : قوله تعالى : (
والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم )
اعلم أنه تعالى لما بعث السيد على تزويج الصالحين من العبيد والإماء مع الرق ، رغبهم في أن يكاتبوهم إذا طلبوا ذلك ، ليصيروا أحرارا فيتصرفوا في أنفسهم كالأحرار ، فقال : (
والذين يبتغون الكتاب ) وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
والذين يبتغون ) مرفوع على الابتداء ، أو منصوب بفعل مضمر يفسره
[ ص: 188 ] فكاتبوهم ، كقولك زيدا فاضربه ، ودخلت الفاء لتضمن معنى الشرط .
المسألة الثانية : الكتاب والكتابة كالعتاب والعتابة ،
وفي اشتقاق لفظ الكتابة وجوه :
أحدها : أن أصل الكلمة من الكتب وهو الضم والجمع ومنه الكتيبة سميت بذلك لأنها تضم النجوم بعضها إلى بعض وتضم ماله إلى ماله .
وثانيها : يحتمل أن يكون اللفظ مأخوذا من الكتاب ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت بالمال ، وكتبت لي على نفسك أن تفي لي بذلك ، أو كتبت لي كتابا عليك بالوفاء بالمال وكتبت على العتق ، وهذا ما ذكره
الأزهري .
وثالثها : إنما سمي بذلك لما يقع فيه من التأجيل بالمال المعقود عليه ، لأنه لا يجوز أن يقع على مال هو في يد العبد حين يكاتب ، لأن ذلك مال لسيده اكتسبه في حال ما كانت يد السيد غير مقبوضة عن كسبه ، فلا يجوز لهذا المعنى أن يقع هذا العقد حالا ولكنه يقع مؤجلا ليكون متمكنا من الاكتساب وغيره حين ما انقبضت يد السيد عنه ، ثم
من آداب الشريعة أن يكتب على من عليه المال المؤجل كتاب ، فسمي لهذا المعنى هذا العقد كتابا لما يقع فيه من الأجل ، قال تعالى : (
لكل أجل كتاب ) [ الرعد : 38 ] .