المسألة الثانية : الإكراه إنما يحصل متى حصل التخويف بما يقتضي تلف النفس ، فأما باليسير من الخوف فلا تصير مكرهة ، فحال
الإكراه على الزنا كحال الإكراه على كلمة الكفر والنص وإن كان مختصا بالإماء إلا أن حال الحرائر كذلك .
المسألة الثالثة : العرب تقول للمملوك فتى وللمملوكة فتاة ، قال تعالى : (
فلما جاوزا قال لفتاه ) [ الكهف : 62 ] وقال : (
تراود فتاها ) [ يوسف : 30 ] وقال : (
فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) [ النساء : 25 ] وفي الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013465ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي " .
المسألة الرابعة : البغاء الزنا يقال بغت تبغي بغاء فهي بغي .
المسألة الخامسة : الذي نقول به أن المعلق بكلمة " إن " على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء ، والدليل عليه اتفاق أهل اللغة على أن كلمة " إن " للشرط ، واتفاقهم على أن الشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه ، ومجموع هاتين المقدمتين النقليتين ، يوجب الحكم بأن المعلق بكلمة " إن " على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء ، واحتج المخالف بهذه الآية فقال : إنه سبحانه علق المنع من الإكراه على البغاء على إرادة التحصن بكلمة " إن " ، فلو كان الأمر كما ذكرتموه لزم أن لا ينتفي المنع من الإكراه على الزنا إذا لم توجد إرادة التحصن ، وذلك باطل ، فإنه سواء وجدت إرادة التحصن أو لم توجد فإن المنع من الإكراه على الزنا حاصل .
والجواب : لا نزاع أن ظاهر الآية يقتضي جواز الإكراه على الزنا عند عدم إرادة التحصن ، ولكنه فسد ذلك لامتناعه في نفسه ، لأنه متى لم توجد إرادة التحصن في حقها لم تكن كارهة للزنا ، وحال كونها غير كارهة للزنا يمتنع إكراهها على الزنا ، فامتنع ذلك لامتناعه في نفسه وذاته ، ومن الناس من ذكر فيه جوابا آخر وهو أن
غالب الحال أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن .
والكلام الوارد على سبيل الغالب لا يكون له مفهوم الخطاب ، كما أن الخلع يجوز في غير حالة الشقاق ولكن لما كان الغالب وقوع الخلع في حالة الشقاق لا جرم لم يكن لقوله تعالى : (
فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ البقرة : 229 ] مفهوم ومن هذا القبيل قوله : (
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين )
[ ص: 193 ] (
كفروا ) [النساء : 101] والقصر لا يختص بحال الخوف ولكنه سبحانه أجراه على سبيل الغالب ، فكذا ههنا .
والجواب الثالث : معناه إذا أردن تحصنا لأن القصة التي وردت الآية فيها كانت كذلك على ما روينا أن جارية
عبد الله بن أبي أسلمت وامتنعت عليه طلبا للعفاف ، فأكرهها فنزلت الآية موافقة لذلك ، نظيره قوله تعالى : (
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ) [البقرة : 23] أي وإذا كنتم في ريب .
المسألة السادسة : أنه تعالى لما منع من إكراههن على الزنا ففيه ما يدل على أن لهم
إكراههن على النكاح ، فليس لها أن تمتنع على السيد إذا زوجها ، بل له أن يكرهها على ذلك ، وهذه الدلالة دلالة دليل الخطاب .
أما قوله (
إن أردن تحصنا ) أي تعففا (
لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) يعني كسبهن وأولادهن .
أما قوله : (
ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) فاعلم أنه ليس في الآية [بيان] أنه تعالى غفور رحيم للمكره أو للمكرهة لا جرم ذكروا فيه وجهين :
أحدهما : فإن الله غفور رحيم بهن ، لأن
الإكراه أزال الإثم والعقوبة ، لأن
الإكراه عذر للمكرهة ، أما المكره فلا عذر له فيما فعل .
الثاني : المراد فإن الله غفور رحيم بالمكره بشرط التوبة ، وهذا ضعيف لأن على التفسير الأول لا حاجة إلى هذا الإضمار ، وعلى التفسير الثاني يحتاج إليه .