(
إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين )
قوله تعالى : (
إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين )
اعلم أنه تعالى لما حكى قول المنافقين وما قالوه وما فعلوه أتبعه بذكر ما كان يجب أن يفعلوه وما يجب أن يسلكه المؤمنون ، فقال تعالى : (
إنما كان قول المؤمنين ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
الحسن "قول المؤمنين" بالرفع ، والنصب أقوى لأن أولى الاسمين بكونه اسما لكان أوغلهما في التعريف و "أن يقولوا" أوغل لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف "قول المؤمنين" .
المسألة الثانية : قوله : (
إنما كان قول المؤمنين ) معناه كذلك يجب أن يكون
قولهم وطريقتهم إذا دعوا إلى حكم كتاب الله ورسوله أن يقولوا : سمعنا وأطعنا ، فيكون إتيانهم إليه وانقيادهم له سمعا وطاعة ، ومعنى (
سمعنا ) أجبنا على تأويل قول المسلمين سمع الله لمن حمده أي قبل وأجاب ، ثم قال : (
ومن يطع الله ورسوله ) أي فيما ساءه وسره (
ويخش الله ) فيما صدر عنه من الذنوب في الماضي (
ويتقه ) فيما بقي من
[ ص: 21 ] عمره (
فأولئك هم الفائزون ) وهذه الآية على إيجازها حاوية لكل ما ينبغي للمؤمنين أن يفعلوه .
أما قوله : (
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن ) فقال
مقاتل : من حلف بالله فقد أجهد في اليمين ، ثم قال : لما بين الله تعالى
كراهية المنافقين لحكم رسول الله ، فقالوا : والله لئن أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، ثم إنه تعالى أمر رسوله أن ينهاهم عن هذا القسم بقوله : (
قل لا تقسموا ) ولو كان قسمهم كما يجب لم يجز النهي عنه لأن
من حلف على القيام بالبر والواجب لا يجوز أن ينهى عنه ، وإذا ثبت ذلك ثبت أن قسمهم كان لنفاقهم ، وأن باطنهم خلاف ظاهرهم ، ومن نوى الغدر لا الوفاء فقسمه لا يكون إلا قبيحا .
أما قوله : (
طاعة معروفة ) فهو إما خبر مبتدأ محذوف ، أي المطلوب منكم طاعة معروفة لا أيمان كاذبة ، أو مبتدأ خبره محذوف أي طاعة معروفة أمثل من قسمكم بما لا تصدقون فيه ، وقيل معناه دعوا القسم ولا تغتروا به وعليكم طاعة معروفة فتمسكوا بها . وقرأ
اليزيدي "طاعة معروفة" بالنصب على معنى أطيعوا طاعة الله (
إن الله خبير بما تعملون ) أي بصير لا يخفى عليه شيء من سرائركم ، وإنه فاضحكم لا محالة ، ومجازيكم على نفاقكم .
أما قوله : (
قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ) فاعلم أنه تعالى صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات ، وهو أبلغ في تبكيتهم (
فإن تولوا ) يعني إن
تولوا عن طاعة الله وطاعة رسوله فإنما على الرسول ما حمل من تبليغ الرسالة ، وعليكم ما حملتم من الطاعة (
وإن تطيعوه تهتدوا ) أي تصيبوا الحق ، وإن عصيتموه فما على الرسول إلا البلاغ المبين ، والبلاغ بمعنى التبليغ ، والمبين الواضح ، والموضح لما بكم إليه الحاجة ، وعن
نافع أنه قرأ "فإنما عليه ما حمل" بفتح الحاء والتخفيف ، أي فعليه إثم ما حمل من المعصية .