أما قوله تعالى : (
ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض ) ففيه سؤالات :
السؤال الأول : أتقولون في قوله : (
ليس عليكم ولا عليهم جناح ) أنه يقتضي الإباحة على كل حال ؟ الجواب : قد بينا أن ذلك هو في
الصغار خاصة ، فمباح لهم الدخول للخدمة بغير الإذن في غير الأوقات الثلاثة ، ومباح لنا تمكينهم من ذلك والدخول عليهم أيضا .
السؤال الثاني : فهل يقتضي ذلك إباحة كشف العورة لهم ؟ الجواب : لا ، وإنما أباح الله تعالى ذلك من حيث كانت العادة أن لا تكشف العورة في غير تلك الأوقات ، فمتى
كشفت المرأة عورتها مع ظن دخول الخدم إليها فذلك يحرم عليها ، فإن كان الخادم ممن يتناوله التكليف فيحرم عليه الدخول أيضا إذا ظن أن هناك كشف عورة ، فإن قيل أليس من الناس من جوز للبالغ من المماليك أن ينظر إلى شعر مولاته ؟ قلنا من جوز ذلك أخرج الشعر من أن يكون عورة لحق الملك ، كما يخرج من أن يكون عورة لحق الرحم ، إذ العورة تنقسم ففيه ما يكون عورة على كل حال . وفيه ما يختلف حاله بالإضافة ، فيكون عورة مع الأجنبي غير عورة مع غيره ، على ما تقدم ذكره .
السؤال الثالث : أتقولون هذه الإباحة مقصورة على الخدم دون غيرهم ؟ الجواب : نعم وفي قوله : (
ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ) دلالة على أن هذا الحكم يختص بالصغار دون البالغين على ما تقدم ذكره ، وقد نص تعالى على ذلك من بعد فقال : (
وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ) والمراد
من تجدد منه البلوغ أن يكون بمنزلة من تقدم بلوغه في وجوب الاستئذان ، فهذا معنى قوله : (
كما استأذن الذين من قبلهم ) وقد يجوز أن يظن ظان أن من خدم في حال الصغر ، فإذا بلغ يجوز له أن لا يستأذن ويفارق حاله حال من لم يخدم ولم يملك ، فبين تعالى أنه كما حظر على البالغين الدخول إلا بالاستئذان ، فكذلك على هؤلاء إذا بلغوا وإن تقدمت لهم خدمة أو ثبت فيهم ملك لهن .